يمكن اعتماد مطلع نيسان 2022 كنقطة بداية كان يفترض على لبنان استغلالها إيجابياً لبدء الخروج من أزمته. فتوقيع الاتفاق المبدئي، حينها، مع صندوق النقد، اعتُبِرَ مدخلاً للإصلاح مع سلسلة البنود التي طلب الصندوق تطبيقها. ومنذ ذلك الوقت، يهدر لبنان فرصة تلو الفرصة لتعزيز أحواله الاقتصادية، من خلال عدم إجراء الإصلاحات، إلى أن أتت الحرب في تشرين الأول 2023 فقلّصت التوقعات الإيجابية وزادت السلبية.
ورغم التوقعات الإيجابية نسبياً للنمو الاقتصادي خلال العام الجاري عند مستوى 0.5 بالمئة، والتي سجّلها تقرير البنك الدولي، يبقى الاقتصاد في حالة “تأهُّب” نظراً للسيناريوهات المرتبطة بالحرب.
آمال زائفة
بانتظار الإصلاحات والاتفاق النهائي مع صندوق النقد، والإفراج بموجبه عن 3 مليارات دولار، يقدّم البنك الدولي توقعات إيجابية للبنان تظهر من خلال تسجيل نمو اقتصادي بنسبة 0.5 بالمئة خلال العام 2024، وكذلك توقعات بتحسُّن متوسّط نموّ الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي للفرد إلى 3.1 بالمئة. لكن هذه التوقعات تبقى زائفة في ظل المعطيات السلبية، سيّما وأنها بُنِيَت على مؤشرات داخلية تعود إلى ما قبل تشرين الأول 2023.(راجع المدن).
لا يعير الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي اهتماماً بالإيجابيات التي يعرضها البنك في تقريره. خصوصاً أن “البنك ومعه صندوق النقد، هما جهتان دوليّتان تمرّران مشاريع مدمّرة للدول. وتقاريرهما غير موضوعية، فهما لم يقدِّما تقريراً حقيقياً على مدى 30 عاماً، لم تقل تقاريرهما بأن السياسات الاقتصادية والنقدية والمالية المتّبعة في لبنان خاطئة”، وفق ما يقوله يشوعي لـ”المدن”، ويضيف: “بل على العكس، أشادت التقارير بالسياسات، إلى أن سقط البلد بأزمته، فتغيَّرَت النبرة وبات لبنان بحاجة لمساعدة”.
بالتوازي، ومع القليل من المؤشرات الإيجابية، وإن على الورق، يؤكّد رئيس وحدة الدراسات في بنك بيبلوس نسيب غبريل، أن اجتماع البنك والصندوق الذي أقيم من 15 إلى 20 نيسان، “لم يتطرَّق للبنان بشكل معمَّق أو منفصل عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”. ما يدعم وجهة النظر التي تقول بأن لبنان ليس محوّر اهتمامات الجهات الدولية.
وفي سياق الآمال الزائفة، تدلّ التوقّعات السابقة على صعوبة الخروج من الأزمة اللبنانية بسهولة. فيشير غبريل في حديث لـ”المدن”، إلى أن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، كانت قد توقّعت نمواً اقتصادياً بنسبة 1.2 بالمئة في العام 2023 وبنسبة 1.3 بالمئة للعام 2024، على أن الحرب أسقطت التوقعات الإيجابية وساد مكانها توقعات سلبية وآمال زائفة ببعض التحسّنات التي لا تنعكس على الاقتصاد.
سيناريوهات الحرب وتداعياتها الاقتصادية
انطلاقاً من “الواقعية السياسية”، يترك يشوعي نظرة سلبية على الواقع الاقتصادي جرّاء الحرب. وبغضّ النظر عن السيناريوهات المتوقَّعة، يرى يشوعي أن استمرار الحرب سيعني “الكثير من الخسائر، وصولاً إلى خسارة البلد”.
ويعتقد يشوعي أن قضية فلسطين “يجب أن تكون قضية العالم العربي ككل، ولا يجوز تحمّلها من قِبَل دولة واحدة مفلسة وشعبها يغادرها كلّما سمحت الفرصة، فضلاً عن التغيير الديموغرافي”. وطالما أن هذه القضية يحملها شعب واحد يعاني، فلن تنجح كقضية، وسيصاب لبنان بأزمة أكبر. وستنعكس الأوضاع على الداخل اللبناني حتى تصبح كل التوقعات سلبية. فالقطاعات السياحية والزراعية والصناعية، مأزومة، وكذلك يفتقد البلد إلى الثقة المالية والقضاء والحكومة والقطاع المصرفي. وعليه “كل أبواب الحل مقفلة”، حسب يشوعي. وإذا أضفنا استمرار الحرب، فلن يبقى هناك شيء.
وبالتوازي، يستعرض غبريل 3 سيناريوهات للحرب في غزة ولبنان، تؤثّر بالضرورة على الواقع الاقتصادي اللبناني. “السيناريو الأوّل، هو استمرار الحرب بالوتيرة الحالية، وسيؤدّي ذلك إلى حالة انكماش اقتصادي بنسبة 0.5 بالمئة. أما السيناريو الثاني وهو توسّع الحرب، فهنا نتحدّث عن انكماش محتمل بنسبة 20 بالمئة. أما السيناريو الثالث، فهو توقُّف الحرب، وسيحمل هذا الخيار نمواً اقتصادياً إيجابياً، مدفوعاً بحركة إعادة الإعمار وتحسّن الحركة السياحية واستتباب الأمن”.
تحوَّلَ انتظار لبنان من توقيع اتفاق مع صندوق النقد والحصول على 3 مليارات دولار، إلى انتظار انتهاء الحرب، أو على الأقل عدم توسّعها. وهذا الانتظار ينطوي على فرص ضائعة، بنظر غبريل، إذ “لو طبَّقَ لبنان الإصلاحات المطلوبة، لتعزَّزَ اقتصاده قبل الحرب، وعندها لن تكون التداعيات الاقتصادية للحرب بالسوء نفسه التي هي عليه اليوم أو المقدَّرة في حال توسّعَت الحرب”.
ولذلك، فإن صندوق النقد الدولي ينتظر بدوره إجراء لبنان إصلاحات، لا يبدو أنها ستُجرى قريباً، وهذا يستدعي التساؤل حول المدّة الزمنية التي سيستغرقها الصندوق منتظراً. علماً أن “صبره نفد”، وفق وزير الاقتصاد أمين سلام الذي أكّد على هامش الاجتماعات في واشنطن، أنه “إذا لم نتحرك (لإجراء الإصلاحات) فإن صندوق النقد سيسحب هذه الفرصة من أمام لبنان، وسنكون أمام مستقبل مجهول من ناحية استعادة ثقة المجتمع الدولي”.