لعلّها هي المرة الأولى التي يطغى فيها شبح التهريب بقوة على الساحة اللبنانية بعد ان تم تجاهله وغض النظر عنه لفترات طويلة، قبل ان يستفحل في ظل الازمة السورية ويحمل تداعيات كارثية وموجعة للقطاعات الانتاجية كما لخزينة الدولة. فوفقاً للخبراء، يكبّد التهريب عبر المعابر البرية غير الشرعية خزينة الدولة خسائر تقدّر بـ 700 مليون دولار سنوياً، ما يؤكد ضرورة اتخاذ اجراءات سريعة وجدية تواكب سعي الحكومة لمعالجة مشكلة العجز في المالية العامة بشكل فعّال، بالاضافة الى مساعدة القطاعات الانتاجية اللبنانية.
وتركّز الحكومة حالياً عملها على محورين اساسيين في اطار مكافحة التهريب:
الأول: الحدود البرية حيث يعمل مجلس الدفاع الأعلى لكي يتمّ إتخاذ الخطوات اللازمة لمنع التهريب على الحدود البرّية
الثاني: المرفأ والمطار حيث تمّ الطلب إلى مدير عام الجمارك التشدّد في مكافحة التهريب
المشكلة في غياب القرار السياسي
وفي الواقع، ترى اوساط متابعة ان اكثر ما يفتقد اليه لبنان في مسألة مكافحة التهريب هو القرار السياسي الذي ان توفر سيجعل من ضبط التهريب امراً سهلا، او على الاقل ممكناً ولو بالحد الادنى، خصوصا ان هذه العمليات اضافة الى كونها تؤثر سلباً على الاقتصاد اللبناني وتحرم خزينة الدولة من ملايين الدولارات، فإنها تشمل دخول أشخاص خلسة الى لبنان.
ويدعو البعض من المتضررين بحملات التهريب لا سيما المزارعين الى عدم تعقيد الامور، فالامور في الواقع تحتاج الى اجراءات بسيطة تتمثل بقيام الجمارك اللبنانية بمراقبة البضائع في اسواق الخضار ومصادرة غير اللبنانية منها، اذ لا يوجد اي صعوبة في تفريق الانتاج اللبناني عن السوري ولو كان هناك عمليات تزوير تنسب المنتجات الى لبنان.
ويرون ان مكافحة التهريب ليست بالامر المستعصي اذ تكفي معاقبة مستورد او مهرب واحد ليخاف البقية ويتنبهوا ويعيدوا حساباتهم قبل الاقدام على هكذا خطوة.
مؤشرات ايجابية .. ولكن
في الواقع، ما يحمله الاداء الحكومي من مؤشرات إيجابية لناحية ضبط التهريب غير كافٍ في ظل غياب خطّة واضحة لمكافحة التهرّب الجمركي تلحظ مؤشرات لقياس فعّالية الإجراءات التي تتخذ. ففي لبنان 143 معبراً حدوديا ما زالت من دون ضبط، تغيب عنها الرقابة وسط نشاطٍ لمهربين وتجار يضربون بهيبة الدولة وقوانينها عرض الحائط، ويجوبون حدود الدولتين اللبنانية والسورية ذهاباً واياباً وفي جعبتهم مروحة واسعة من المنتجات المهرّبة التي تجد مكاناً لها في الاسواق اللبنانية.
وتغزو الاسواق اللبنانية منتجات سورية من خضار ومواد غذائية وألبان وأجبان ولحوم، واخطر ما في الامر ان هذه السلع لا تخضع لأية رقابة أو فحوصات للتأكد من مراعاتها معايير السلامة الغذائية قبل بيعها الى المستهلك اللبناني، اذ ان سوريا تعاني من وضع غير مستقر وامكانية التلاعب بتاريخ الانتاج او بالنوعية امراً ممكناً وليس مستبعدا.
وتعرض هذه الممارسات الانتاج المحلي للخطر، في ظل منافسة غير شرعية، اذ يسعى المواطن لتأمين حاجاته بكلفة أقل فيلجأ الى شراء البضائع السورية الموجودة في السوق، في وقت يبقى المتضرر الاكبر المنتج الوطني الذي يعاني اساساً من ارتفاع تكاليف الانتاج وصعوبات شتى في التصدير اذ شهدت القطاعات الانتاجية تراجعا دراماتيكياً في حجم صادراتها خلال السنوات الاخيرة.
القضاء على التهريب
وتشير تقارير الى ان اساليب التهريب في لبنان عديدة وتحصل اما بالتلاعب بفاتورة البضائع المستوردة او بكمياتها او بالنوع المستورد، او التهرب من دفع قيمة الرسم النوعي.
وتكثر التساؤلات حول وجود امكانية لدى لبنان للتخلص من ظاهرة التهريب، لا سيما ان” التهريب” هو ظاهرة اقتصادية عرفت نموا كبيرا في العقدين الأخيرين بسبب السياسات الاقتصادية والاجتماعية غير المتوازنة والتي تاتي على حساب الطبقات الضعيفة والمفقّرة في غياب اللامركزية بين الجهات وغياب استراتيجيات واضحة للتنمية العادلة بين جميع القطاعات.
وتلفت الارقام الى ان حجم الاستيراد في مرفأ بيروت يصل سنوياُ الى 6500 طن من البضائع وقيمتها تتراوح بين 18 و20 مليار دولار. واذا ما جرى تطبيق نسبة جمركية متوسطة تصل الى 5%، وايضاً ضريبة بقيمة مضافة 11%. هذه البضائع المستوردة يجب ان تدفع بين 1.5 مليار دولار الى 3 مليار دولار سنوياً. ما يعني ان مرفأ بيروت يجب ان يحقق على الاقل 2.5 دولار سنوياً بينما ما يحققه اليوم لا يتعدى الـ500 مليون دولار.