ربحت «أوراسكوم» و«زين» جولة جديدة في السوق اللبنانية. استفادت من «كورونا»، الذي شكّل الستار الأنسب لتمرير قرار مُخالف للقانون، بمُباركة معظم الكتل والأحزاب الفاعلة. فالغطاء السياسي تأمّن لتوقيع عقد جديد مع الشركتين، مع تغيير في بعض البنود
أوّل من سيتلقّى سهام تحمّل مسؤولية التمديد لشركتَي الخلوي، هو الوزير طلال حواط. ليس في ذلك «تجنٍّ»، بل هو أمر طبيعي لكونه مُتولّي حقيبة الاتصالات، صاحبة السلطة في هذا الملف، وبين يديه قرار استرداد الدولة لإدارة القطاع… ففضّل أن يُغلق عليه في الدرج. وحواط هدف أساسي أيضاً لتحميله المسؤولية، لكونه فوّض نفسه بنفسه، من دون الرجوع إلى مجلس الوزراء، إجراء مفاوضات غير رسمية مع شركتَي «أوراسكوم» (التي تُدير ميك 1 – «ألفا») و«زين» (التي تُدير ميك 2 – «تاتش»)، علماً بأنّ سلطة الوزير، في هذا الموضوع تحديداً، تقف عند عتبة استرداد القطاع. هذا الشقّ الوحيد الذي يحقّ له تنفيذه من دون العودة إلى أحد. أما التمديد للشركتين، أو وضع عقد جديد، فيستدعي التئام مجلس الوزراء. مُخالفة ثالثة، «تُحَرَّر» للوزير الجديد، بعد أن خالف القانون مرّة أولى ورفض تنفيذ استرداد القطاع. اجتهادات وقرارات ومواقف عديدة صدرت في هذا الإطار، وتُختصر جميعها بردّ هيئة الاستشارات والتشريع، التي أفتت بأنّ على وزارة الاتصالات «ممثلة بشخص الوزير أن تُبادر، وبشكل فوري وتلقائي، ومنذ الساعة الصفر ليوم الأربعاء الواقع فيه 01/01/2020، إلى اتّخاذ الإجراءات الإدارية والعملية كافة لتسلّم إدارة القطاع الخلوي، على أن تتولّى وزارة الاتصالات بواسطة المديرية العامة للاستثمار والصيانة مهمّة الإدارة». أما المرّة الثانية، فكانت حين أبقى على أبواب الوزارة مُشرّعة أمام طلبات نائب رئيس مجلس إدارة «زين» ورئيسها التنفيذي بدر الخرافي، وسمح للرئيس التنفيذي لشركة «تاتش» أيمري غوركان بالمشاركة في وضع «الخطّة المستقبلية» لقطاع الخلوي، قبل أن يُقدّمها إلى رئيس الحكومة حسّان دياب، في الأول من الشهر الجاري.
يُقدّم الخلوي صورة مختصرة عن «المغارة» اللبنانية الكُبرى، وعمّن يتحكّم في المفاصل العامة والقطاعات الحيوية. طلال حواط ليس وحيداً في ما يقترفه، وأصلاً ما كان باستطاعته أن يتحلّى بهذه «الشجاعة» والإصرار على عدم تنفيذ القانون، لو لم يكن يحظى بغطاء سياسي. تحجّج الوزير سابقاً بالتأخّر في طرح خطته للاتصالات على مجلس الوزراء وحسم أمر شركتَي الخلوي، بانتشار فيروس «كورونا». ولكن عملياً، هدف التأخير إلى ضمان «إقناع» كلّ الكتل السياسية، الممثلة داخل مجلس الوزراء، بـ«فائدة» التمديد لـ«أوراسكوم» و«زين». ويقول أحد السياسيين المسؤولين عن هذا الملفّ لـ«الأخبار» إنّ الجميع «بدّل موقفه منذ قرابة أسبوعين، وباتت الأحزاب والكُتل موافقة على التمديد»، بعدما كانت نفسها في لجنة الإعلام والاتصالات النيابية قد أصرّت على استرداد القطاع. التيار الوطني الحرّ واحدٌ منها. يقول أحد نوابّه «إنّنا اليوم مُقبلون على استحقاق كبير، إما نُنقذ البلد وإما نذهب إلى النموذج الثاني حيث تكون الدولة مُحتكِرة لمختلف القطاعات الاقتصادية. الحجة الشعبية للمُطالبة باسترداد القطاع هي أنّ عقد التشغيل كان باباً للفساد، وأنّ الدولة حين تسترد ستوقف ذلك، علماً بأنّ قطاعات عديدة تُديرها الدولة فيها فساد». يتحدّث النائب وكأنّ الدولة «فسُدت» من تلقاء ذاتها، ولم تكن سياسات الذين «أداروها» هي سبب اهترائها، مُقترحاً إنقاذ نموذج لم يترك أثراً واحداً بالإمكان التسلح به للدفاع عنه. يردّ بأنّ استرداد «قطاع كهذا ليس أمراً سهلاً، وآليات عمل الدولة بطيئة حتى تتمكّن من مواكبته، والخوف أن ينهار كلياً بعد أن تتسلمه». هذا هو تماماً ما يُنقل أيضاً عن طلال حواط. فبعيداً عن كلّ المصالح من التمديد للشركتين، يُخبر الرجل بأنّه «إذا كان من هدر وفساد فلتتحمّل الشركتان المسؤولية وليس وزارة الاتصالات»، مضيفاً أنّه لا يُريد أن تفشل الدولة في إدارة القطاع ويوسم عهده بذلك.
الصيغة الجديدة من العقد تقضي بتخفيض المصاريف الإدارية بنسبة 50%
الغطاء الأكبر لتجديد العقد يوفّره رئيس الحكومة، الذي بات موافقاً على أنّ توقيع عقد جديد في هذه المرحلة، هو الخيار الأفضل، والحجة هي تجنّب الدخول في سجال التعيينات في مجلسَي الإدارة والمحاصصة. أما حزب الله، ورغم أنّه لا يزال الأكثر تمسّكاً بموقفه لناحية تنفيذ القانون ووجوب إدارة الدولة للقطاع، ولكن أمام شبه الإجماع على تمديد العقد، بدأ يدرس الاحتمالات التي من المُمكن أن يلجأ إليها عندما يُطرح الموضوع على مجلس الوزراء. فهل يبقى مُتمسّكاً بالرفض؟ أم يقبل تجديداً «مؤقتاً» إلى حين إجراء المناقصة في حال توصّل مجلس الوزراء إلى تحسين شروط العقد، كخفض قيمته وإعادة المصاريف لحساب الشركات؟ الأرجح أن يكون الخيار الثاني هو الغالب، ولا سيّما أنّ المطروح في الصيغة الجديدة من العقد هو تخفيض المصاريف الإدارية بنسبة 50%.
في حديثه مع قناة «الجديد»، يوم الثلاثاء الفائت، قال حواط إنّ قضية الخلوي ستُدرج على جدول أعمال مجلس الوزراء «في غضون الأسبوعين المُقبلين». في هذه الأثناء، لن يقف مكتوف اليدين، أو يصل إلى الجلسة «خالي الوفاض». فبحسب معلومات «الأخبار»، يُعِدُّ وزير الاتصالات مع أحد المُحامين الذين تربطهم علاقة بإحدى الشركتين، اجتهاداً يُبيّن فيه عدم قانونية استرداد الدولة للقطاع، مُستنداً إلى المرسوم 393 الصادر سنة 2000، تحديداً الفقرة الثانية منه، لجهة أنّ تشغيل القطاع لا يتمّ عبر الدولة بل عن طريق إجراء مناقصة، مُتجاهلاً البند الثالث منه الذي يذكر أنّ «تتم المزايدة والمناقصة العموميتان في آن واحد وفقاً للقانون رقم 228 تاريخ 31\5\2000 (تنظيم عمليات الخصخصة وتحديد شروطها ومجالات تطبيقها)». كما أنّ المرسوم لم يُطبّق في السنوات السابقة، واقتصر الأمر على إجراء مناقصة تشغيل (وسبعة قرارات تمديد للعقد)، لكون تطبيقه مرتبطاً ببيع الدولة للقطاع. والسؤال الأبرز، بعدما طوى مجلس الوزراء فكرة استرداد الدولة للقطاع: هل ستنجح مناقصة دولية في ظل أزمة كورونا، ام أن الدولة ستلجأ مستقبلاً إلى تمديد إضافي (بعد التمديد الذي سيُقرّ في غضون أسبوعين) بذريعة الوباء العالمي؟
«ألفا» دفعت الرواتب
الأسبوع الماضي، مدّد الوزير طلال حواط عقد تشغيل «ألفا» أسبوعاً واحداً بهدف وحيد هو تحويل رواتب شهر آذار. قرابة ألف موظف في «ألفا» حُرموا من رواتبهم لأكثر من شهر، واستُخدموا كورقة ضغط في الصراع القائم لفرض التجديد للشركتين. وخلافاً لـ«زين»، رفضت «أوراسكوم» تسديد رواتب الموظفين من حسابها، رغم أنّ عقودهم موقّعة معها، على أن تستردها من الدولة اللبنانية لاحقاً. قرار حواط أثار الاستغراب، أولاً لجهة التأخر في اتخاذ هذه الخطوة، وثانياً لعدم تضمين القرار السماح بتحويل الإيرادات إلى المديرية العامة للاستثمار والصيانة، حتى تودعها في حساب وزارة الاتصالات، والدفع للموردين الذين مضت أشهر من دون أن يقبضوا ثمن الخدمات التي يُقدّمونها إلى الشركة.