شح الموارد والفساد يهددان “خطة تبون” لإنعاش اقتصاد الجزائر

تقف الموارد المالية المتراجعة والفساد والعراقيل الإدارية حجر عثرة أمام محاولات جزائرية، لإنعاش الاقتصاد العليل، بسبب ثنائية جائحة فيروس كورونا الجديد وهبوط أسعار النفط، الأمر الذي يضع الحكومة في مأزق حقيقي، بينما بدت جادة في خطواتها نحو إخراج البلد من صعوبات اقتصادية ومالية تنذر بتداعيات اجتماعية.

وفي مؤتمر وطني للإنعاش الاقتصادي في العاصمة الجزائر، عقد يومي 18 و19 أغسطس/ آب الجاري، بمشاركة الرئيس عبد المجيد تبون ورجال أعمال ونقابات عمالية، أعلنت الحكومة عن خطة إنعاشية بقيمة 24 مليار دولار، ترتكز على ثلاثة محاور ممثلة في الإصلاح المالي، والتجديد الاقتصادي، ومحاربة البطالة.

وتضمن الإصلاح المالي عدة بنود، هي: مراجعة النظام الجبائي، واعتماد قواعد جديدة لحوكمة الموازنة، وتحديث النظام البنكي، أما محور التجديد الاقتصادي فورد فيه 12 بندا، وركز على تحسين فعلي لمناخ الأعمال، وتبسيط قوانين الاستثمار وإزالة العراقيل البيروقراطية التي تكبح المستثمرين، بينما يهتم محور محاربة البطالة بتكييف مناهج التكوين (التدريب) مع احتياجات سوق العمل، وتشغيل حاملي الشهادات المهنية.

وبدت الدولة عازمة على تقليص الاعتماد على النفط، حيث قال تبون في خطابه إن هدف الخطة على المدى القصير يتمثل في زيادة حجم الصادرات خارج قطاع النفط، بحلول نهاية 2021، إلى 5 مليارات دولار، من ملياري دولار حاليا.

وأضاف أن أن اعتماد الاقتصاد الوطني بصفة شبه كلية على عائدات المحروقات هو “اعتماد قاتل للذكاء والمبادرات”، مؤكدا أنه ابتداء من السنتين القادمتين، سيتم تقليص الاتكال على عائدات المحروقات إلى 80% على الأقل مقابل 98% حالياً.

لكن خبراء اقتصاد يرون أكبر عقبة تواجه الحكومة الجزائرية في تطبيق خطة “تبون الاقتصادية”، هي نقص الموارد المالية، فعادة ما تلجأ الحكومة إلى عائدات النفط واحتياطي النقد الأجنبي لتغطية الخطط الحكومية، إلا أن المعطيات هذه المرة تغيرت، فعائدات النفط لا تزال متهاوية، واحتياطي النقد الأجنبي يتراجع بشكل متسارع ولم تعد الجزائر قادرة على مساره الهبوطي، لارتفاع الإنفاق خاصة على الاستيراد.

ويقول الخبير الاقتصادي والمستشار السابق لدى الحكومة عبد الرحمان مبتول لـ”العربي الجديد”، إن “الحكومة ملزمة بجمع 24 مليار دولار على الأقل، وضخها في الخزينة العمومية قبل نهاية السنة الحالية لتمويل الخطة الإنعاشية، وهي مهمة صعبة في الوقت الراهن، لسببين وهما تراجع احتياطي النقد إلى مستويات “حمراء”، واستقرار عائدات النفط عند مستويات 32 مليار دولار عند نهاية السنة الحالية”.

لكن وزير المالية هاني عبد الرحمان يؤكد لـ”العربي الجديد” أن “لدى الجزائر الموارد اللازمة لتمويل الخطة، سواء عن طريق الأموال المتداولة في البنوك أو عن طريق احتياطي النقد، الذي يبلغ حاليا 57 مليار دولار، وهو ما يسمح لنا بالتحرك”.

في المقابل، يقول الخبير المالي، أرزقي يحيى، إن “الخزينة العمومية تسجل بالأساس عجزاً سنوياً يبلغ حوالي 30 مليار دولار، والسيولة هوت في البنوك لتحت عتبة 8 مليارات دولار، فكيف سيتم تمويل الخطة الإنعاشية”.

ويضيف يحيى أن “الحكومة أمام حتمية اختبار أحد الحلول، إما الاستدانة الخارجية شرط أن توجه الأموال للاستثمار وليس الإنفاق، أو طباعة النقود وهو خيار متاح قانوناً إلى غاية نهاية 2020، ومجمد سياسياً، وإلا سيتم اللجوء إلى احتياطي النقد الأجنبي الذي لن يتحمل ضغطاً إضافياً في ظل تبخره المتسارع”.

وتراجع احتياطي النقد الأجنبي بنحو 15.6 مليار دولار في أقل من سنة ونصف، حيث استقر بحلول أغسطس/آب الجاري عند 57 مليار دولار، بينما بلغ بنهاية إبريل/نيسان 2019 حوالي 6. 72 مليار دولار، في حين سجل نهاية 2018 نحو 88. 79 مليارا، وفي نهاية العام السابق عليه 97.33 مليار دولار.

وتتوقع الحكومة في الموازنة التكميلية للعام الجاري تراجع الاحتياطي إلى 6. 51 مليار دولار بنهاية 2020، وإلى ما دون 40 مليار دولار بنهاية العام المقبل.

وإذا كان شح الموارد يمكن تجاوزه ، فإن الاقتصاد لا يزال حبيس الفساد الإداري والمالي، الذي نخر البلاد، وكلف الخزينة العمومية أموالا ضخمة كشفتها محاكمات رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، من رؤساء حكومات ووزراء ورجال أعمال، وأثبت تزاوج المال بالسياسة، ما قد يشكل “حجر عثرة” في طرق “خطة تبون” الاقتصادية، ويهددها بالإجهاض قبل ميلادها.

وإذ يصعب وضع رقم دقيق يمثل حجم الفساد المالي والإداري الذي عاشته الجزائر في العقدين الأخيرين، إلا أن التقديرات تشير إلى أن حجم الرشاوى والعمولات والخسائر كبير جداً ويفاقم من الأزمة المالية الحادة التي تعاني منها البلاد وأدت إلى استنزاف الاحتياطي النقدي.

وحسب رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد (مستقلة)، جيلالي حجاج، الذي تحدث لـ”العربي الجديد”، فإن “حجم العمولات التي تم دفعها في مختلف الصفقات يقدر بـ 60 مليار دولار، تورط فيها رموز النظام السياسي بصفة عامة بمستويات مختلفة”.

ويقول جيلالي إن “البحبوحة المالية التي عاشتها الجزائر في سنوات حكم بوتفليقة الأولى بفعل ارتفاع أسعار النفط كانت العامل الأساسي لانتشار الفساد، حيث كثرت قضايا إهدار المال العام”.

ويضيف: “يكفي فقط أن نذكر أنه منذ وصول بوتفليقة إلى سدة الحكم سنة 1999 أنفقت السلطة قرابة ألف مليار دولار لبعث الاقتصاد والبنية التحتية، لكن ما حصل أن هذه الفاتورة كانت سببا في تفشي الفساد”.

وقصد كبح مظاهر الفساد والمحسوبية، أدرجت في مسودة الدستور المنتظر عرضه على البرلمان ثم على الشعب في استفتاء مباشر، بين شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، إلزامية التصريح بالممتلكات في بداية استلام الوظیفة العمومية وعند انتھائھا لكل شخص يعین في وظیفة علیا في الدولة أو منتخب أو معین في البرلمان أو منتخب في مجلس محلي، وكذا تطبيق العقاب في حالات استغلال النفوذ.

كما جرم الدستور الجديد التهرب الضريبي، الذي فاق حسب أرقام حكومية عتبة 100 مليار دولار. وفور استقالة بوتفليقة، وسقوط نظامه في إبريل/نيسان 2019، في أعقاب انطلاق حراك شعبي واسع رافض لولاية رئاسية خامسة لبوتفليقة، شرع القضاء الجزائري في فتح ملفات فساد ثقيلة وكبيرة.

وأدت التحقيقات لسجن 15 وزيراً في مقدمتهم رئيسا الحكومة السابقان أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، المتابعان في 8 ملفات فساد، بالإضافة إلى عشرين رجل أعمال. وتوسعت التحقيقات لتصل إلى داخل المؤسسة العسكرية التي شهدت سجن العشرات من الجنرالات بتهم الإثراء غير المبرر.

مصدرالعربي الجديد
المادة السابقةتحذير من إفلاس وشيك لقطاع السياحة في إيران​​​​​​​ بسبب “كورونا”
المقالة القادمةعن مستقبل غاز شرق البحر المتوسط