تشهد البلاد موجة احتجاجات بين موظّفي المؤسّسات العامّة، بدأت مع موظّفي مصرف لبنان والقضاة، وانتقلت إلى موظّفي أوجيرو والمرفأ، وصولاً إلى أساتذة الجامعة اللبنانية. يقود هذه الاحتجاجات قلق ناتج من توجّه السلطة، إلى اقتطاع جزءٍ من رواتبهم ومكتسباتهم. ويكرّر هؤلاء التحذير نفسه: “حقوقنا ومكتسباتنا خطّ أحمر وممنوع المسّ بها”. لكن على الرغم من تزايد هذه الاحتجاجات واستمرارها، إلّا أنها تبقى مجرّد احتجاجات غير مُنظّمة وفئوية، لا تعبّر إلا عن مطالب كلّ فئة على حدة، وهو ما يؤدّي إلى امتثال السلطة لمطالب الأقوى بينهم على حساب الأضعف، أو التوجّه نحو الخصخصة.
هذا الواقع، استعرضه الأمين العام لحركة “مواطنون ومواطنات في دولة” الوزير السابق شربل نحّاس، كمؤشّر على الخلل داخل السلطة وعجزها عن إدارة الواقع، وذلك في ندوة نظّمت في طرابلس، يوم السبت الماضي، تحت عنوان “دور النقابات المهنية في مواجة الأزمة المالية: من طرابلس إلى كلّ لبنان”. وطرح خلالها “الانتقال من الاعتراضات الفئوية لصياغة برنامج عمل مشترك يتناول مجمل الفئات الاجتماعية للدخول كطرف مسؤول على طاولة التفاوض القائمة لتوزيع خسائر الأزمة المالية التي دخلنا في دوّامتها، وبالتالي فرض شروط بديلة تعبّر عن مصالحهم، لتكون عملية التوزيع عادلة وهادفة وتصبّ في مصلحة بناء دولة”.
يقول نحّاس: “دخلنا في مرحلة توزيع خسائر، إنّما بغياب جزء كبير من الذين ستطاولهم، بحيث يجري توزيعها من دون أخذ مصالحهم بالاعتبار”. فوفقاً لنحّاس “الأزمة الفعلية ليست في عجز المالية العامّة الناجم عن الهدر والفساد والتوظيف الزبائني الذي يموّل بالدَّين وتتغذّى منه الأرباح المصرفية على أهمّيته، بل في نقص الدولارات التي تدخل إلى البلد من خلال أموال المهاجرين اللبنانيين. وهو ما يعني أننا بتنا نحتاج سنوياً لكمّية من الدولارات لنغطّي العجز في ميزاننا الخارجي أي العجز في ميزان المدفوعات”.
هذا الوضع يرتّب صعوبة في استمرار الأداء نفسه وفقاً لنحّاس، وهو ما بدأت ترجمته بـ”عملية توزيع خسائر غير مُعلنة تؤدّي إلى ضرب دَخْل اللبنانيين وإفلاسات متتالية، ويمكن التعبير عنها بسلسلة إشارات مثل زيادة تقنين الكهرباء ووقف القروض. وأيضاً تتمثّل ببدء إصدار فواتير المولّدات الخاصة بالدولار بدلاً من الليرة، وعرقلة المصارف لعملية سحب الدولارات”.
المدّخرات والصناديق مُهدّدة!
عدا عن تهديد مداخيل الناس، تبرز مخاطر جدّية على المدّخرات والأموال المُجمّعة في الصناديق التعاضدية. فوفقاً لنحّاس “يوجد في الجهاز المصرفي نحو 150 مليار دولار من الودائع بالليرة والدولار، إلّا أن كلّ ما يملكه لبنان كبلد يصل إلى 30 مليار دولار”. ويتابع نحّاس: “من بين الـ150 مليار دولار هناك نحو 12-15 مليار دولار مُجمّعة لدى المصارف تعود لصناديق تعاضدية من ضمنها صناديق النقابات والمهن والحرّة، أي الأطباء والمهندسين والصيادلة والمحامين والأساتذة في التعليم الخاصّ، وهم أفراد لديهم موقعهم الاجتماعي وكلمتهم مسموعة، وبالتالي وجود هذه المدّخرات التي بقسم منها تأتي من الاشتراكات، والقسم الآخر من إيرادات عامّة خصّصتها الدولة لها مثل رخص البناء والمعاملات القضائية، ترتّب عليهم مسؤولية خاصّة وعامّة ليفاوضوا من خلالها على توزيع عادل وهادف للخسائر بدلاً من تركها سائبة كما هو الحال اليوم”.