تتجه كبرى الشركات الأجنبية للخروج من لبنان، أو تقليص أعمالها بأفضل الأحوال، في إشارة إلى ارتفاع المخاطر في لبنان، بشكل باتت فيه الأعمال بمختلف المجالات غير ذي جدوى، فماذا لو كانت الأعمال أو الشركات تُعنى بالشأن المالي كشركة ديلويت مثلاً Deloitte؟ وماذا لو كانت تقوم بمهام حساسة كتدقيق حسابات مصرف لبنان؟
راسلت شركة ديلويت Deloitte عملاءها في لبنان عبر بريد الكتروني، أعلمتهم بأنها تدرس مسألة وقف أعمالها في لبنان، وأنه لم يعد بامكانها الاستمرار بالعمل معهم. هذا ما كشفه مصدر مصرفي في حديث لـ”المدن”.
شركة Deloitte التي تقوم بخدمات التدقيق والاستشارات المالية وتقييم المخاطر والضرائب لكثير من المؤسسات في لبنان والعالم، تُعد من بين أهم الشركات على مستوى العالم في مجالها. تتعاقد الشركة المذكورة مع عدد كبير من المصارف اللبنانية، لاسيما منها مصارف الفئة “أ”، إضافة إلى تسلّمها عمليات التدقيق في حسابات وموازنات مصرف لبنان، إلى جانب شركة أخرى (Ernst & young) بشكل سنوي.
لم تُعلن Deloitte رسمياً عزمها وقف أي أعمال في لبنان أو الخروج من البلد، لكنها لم تنف الخبر بشكل قاطع، وإن كان أحد مسؤوليها أكد في حديث إلى “المدن” أن الشركة مستمرة في لبنان، ولا صحة للحديث عن خروجها أو خفض موظفيها. إذاً، ماذا عن خفض أعمالها ووقف تعاملها مع المؤسسات اللبنانية؟ سألت “المدن”. المسؤول لم يجب، واكتفى بالقول “نعم هناك تغييرات لكن الشركة مستمرة في لبنان”.
وهنا لا بد من التمييز بين أن تستمر شركة Deloitte بالعمل في لبنان، وفق عقودها مع المصارف والمؤسسات اللبنانية، أو أن تستمر بالعمل من مكاتبها في بيروت في تنفيذ عقودها مع شركات دول الشرق الأوسط، خصوصاً أن أعمال الشركة لا تقتصر على لبنان بل على كامل منطقة الشرق الاوسط.
يلفت مصدر مصرفي في حديث إلى “المدن” إلى أكثر من احتمال لوقف أعمال الشركة في لبنان، بينها أن تكون متورطة بتغطية حقائق مالية سلبية، وعدم التحذير من مخاطر محتملة، أو أن تكون قد ذيلت تقاريرها الدورية بتحذيرات من مخاطر مالية، في حين ان مصرف لبنان لم يتجاوب. وهذا ما يثير تساؤلات ترتبط بشفافيتها. فالبلد، حسب المصرفي، لم يعد يتمتع بأي عوامل حمائية، أي أنه معرض فعلياً للإفلاس. وهذا أمر مسيء إلى الشركة.
مصدر آخر لا يستغرب إعادة الشركة النظر بوجودها في لبنان. فلبنان تحوّل إلى بلد ذي مخاطر عالية جداً، وخروج هذا النوع من الشركات بات أمراً طبيعياً في هذه المرحلة. والمؤسسات التي تستلزم أعمال تدقيق أصبحت كلفتها تفوق قدراتها، إضافة إلى أن واقع الأزمة المالية الراهنة يعزز التشكيك بشفافية التقارير المالية الصادرة عن شركات الاستشارات والتدقيق، سواء Deloitte أو غيرها.
ويستبعد مصدر متابع لأعمال الشركة، أن تتجه الأخيرة إلى إغلاق مكاتبها كلياً في بيروت، خصوصاً المكتب المرتبط بأعمال الشرق الاوسط، مرجّحاً أن تقتصر التغييرات في الشركة على إغلاق مكتب بيروت بشقه المتعلق بأعمال المؤسسات اللبنانية. وفي حال إغلاق الشركة أبوابها في لبنان، يقول المصدر، فإنه بالإمكان متابعة أعمالها من خارج البلد، أي من خلال مكاتبها في قبرص أو دبي. لكن الإشكالية لا تكمن بالأعمال التي تتولاها الشركة والعائدة إلى مؤسسات عربية وأجنبية، إنما تلك العائدة إلى المؤسسات اللبنانية والمصارف ومصرف لبنان، فهذه هي الأعمال التي تتجه الشركة إلى تعليقها، على ما يرجّح المصدر في حديث إلى “المدن”.
وإذ يأسف المصدر لاتجاه شركة تواجدت في لبنان منذ ما قبل الاستقلال إلى الإغلاق، وأن لبنان الذي لطالما كان المركز الاقليمي لشركات العالم، بات عاجزاً اليوم عن استقطاب الشركات الكبيرة، يؤكد أن هناك أزمة مستفحلة بين الشركات الكبرى في البلد، خصوصاً الشركات المحاسبية والمالية لجهة صعوبة آلية تعاملاتها والتسعير، جازماً بأن هناك شركات أخرى مهمة جداً تتجه الى الإغلاق ووقف أعمالها في لبنان، على غرار Deloitte. وقال: من الصعب على الشركات الكبرى أن تتمكن من الاستمرار في لبنان بالوضع الراهن.
نفي الشركة إغلاق مكاتبها، ومراسلتها عملائها في الوقت عينه، لا ينفي حقيقة أن لبنان أصبح دولة ذات مخاطر عالية جداً.