هل تعيد المصارف تكرار تجربة الإقفال العام في وجه المودعين، بعدما تكرّر أمس وأمس الاول سيناريو اقتحام المصارف من قِبل مودعين مسلّحين للحصول على أموالهم بالقوة؟ في ظلّ التراخي في السير بحلول حازمة وواضحة للأزمة المالية، قد يتحوّل كل المودعين، حتى رفيعي الشأن منهم، إلى مقتحمين للمصارف، بدليل انّ من بين مقتحمي الأمس القنصل العام الفخري لإيرلندا. أما نجاح المودع بالحصول على وديعته بالفريش، فهي سبب إضافي للدفع نحو تزايد عمليات الاقتحام في الايام المقبلة.
عاد مشهد اقتحام المصارف إلى الواجهة أمس، بعدما شهد اكثر من مصرف في أكثر من منطقة عملية اقتحام لمودعين للمطالبة بسحب اموالهم العالقة في البنك، بما يثبت انّ الإضراب الذي نفّذه القطاع المصرفي اسبوعاً كاملاً على خلفية اقتحامات سابقة لم يشكّل رادعاً للمودعين للاستحصال على اموالهم، لا بل انّ هناك حاجة ماسّة لمعالجة هذه الأزمة قبل ان يقع المحظور.
في السياق، قال المحامي الدكتور بول مرقص رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية لـ«الجمهورية»: «لطالما حذّرنا من الذهاب في لبنان إلى استيفاء الحق بالذات والتهديد بالسلاح واحتجاز رهائن، ليس لأنّها جرائم يُعاقب عليها القانون بالحبس فحسب، بل وخصوصاً لأنّ من شأنها أن تأخذنا الى شريعة الغاب واستعمال القوة بدل الحق وتفشي التمييز لصالح من ينجح باستيفاء حقه بيده على حساب المتمسكين بدولة القانون. الأمر الذي قد يمتد إلى قطاعات أخرى عند استفحال الأزمات كالدواء والطحين وحتى الإيجارات القديمة، فتذهب الناس إلى استعمال العنف.
إلاّ أنّ حوادث اقتحام المصارف من قِبل بعض المودعين للحصول على ودائعهم، إنما تأتي نتيجة تقصير السلطات عن وضع خطة استراتيجية وزمنية لتحرير الودائع وإعطاء المودعين حقوقهم. وبالتالي إنّ السلطات التنفيذية والتشريعية المتعاقبة، لم تترك للمودع خيارات فضلى، لأنّها لم تُقرّ أية خطة سليمة، شاملة وزمنية، لغاية اليوم، من أجل تحصيل الحقوق، وإن كنت لا أبرّر للمودعين استعمال العنف. ولذا، فإنّ التحرّك يجب أن يستهدف المسؤولين عن التقصير في معالجة أساس الأزمة المالية، وليس مستخدمي المصارف».
أما السؤال عن الخيار المُتاح أمام المودعين فيقول مرقص: «عليهم الضغط من خلال التحرّك المبرمج والهادف بالتزامن مع طرح خطط بديلة، على نحو ما سبق أن قامت به مؤسسة «جوستيسيا»، التي تقدّمت بخططٍ رغم أنّها فوجئت بالخطة التي تُقدّم اليوم لحل أزمة الودائع في المصارف، والتي لم تأخذ إلّا بالقليل من مقترحاتنا. ولذا، يجب أن يتواصل الضغط الهادف على المسؤولين السياسيين، بدلاً من أن يضغط المواطنون على بعضهم البعض، كما كان حصل سابقاً من قطع طرقات وتخريب أملاك عامة». متسائلاً «عمّا يمنع المصارف اليوم من التذرّع بتكرار اقتحام المصارف لمزيد من التضييق والإقفال، أو أقلّه إبقاء المواطنين خارج باحة الفرع كما يحصل، واتخاذ تدابير أكثر إهانة للمودعين؟».
أضاف: «كذلك فإنّ ثمة غياباً لأي أحكام واضحة ومبرمة وحقيقية وقابلة للتنفيذ عن المحاكم اللبنانية بموضوع «تحرير ودائع المودعين» إن لناحية سحبها نقدًا أو لجهة تحويلها إلى الخارج».
تابع: «انّ الأحكام في هذا الشأن لم تصل إلى خواتيمها، هناك تفسيرات متعددة للقانون بسبب هذه «السابقة» في ظلّ وجود الملاءة الكافية لدى المصارف التي في الوقت نفسه لا تمتلك السيولة النقدية لاستيعاب طلبات جميع المودعين».
وأكّد مرقص انّ القانون اللبناني ينصّ على إرجاع الوديعة لصاحبها عند استحقاقها، إلّا أنّه حتى أكبر المصارف في العالم لا تستطيع استيعاب تهافت مودعين لسحب مدخراتهم على مدى 3 سنوات متتالية، مؤكّدًا في الوقت ذاته أن هذا الأمر لا شأن للمودع به.
«ولذلك ندعو إلى وضع خطة من قِبل الدولة تعيد الأموال إلى المودعين على نحو زمني واضح وحتى ولو كان طويلًا، من أجل عدم لجوئهم إلى الخيارات العنفية».
في الاقتحامات
إلى ذلك، تعرّضت على الاقل ثلاثة مصارف امس لعمليات اقتحام من قِبل مودعين للمطالبة بوديعتهم المحتجزة لدى المصارف. ففي الشمال طرابلس، اقتحم عدد من موظفي شركة كهرباء قاديشا مصرف «FNB» احتجاجاً على عدم تسلّمهم رواتبهم.
وفي الحازمية حصلت عملية اقتحام لفرع بنك IBL من قِبل المودع جورج سيام، الذي طالب بالحصول على رفع الحصة الشهرية التي يحق له سحبها من المصرف من 500 دولار الى 1000 دولار، الّا انّ طلبه جوبه بالرفض، لذا قرّر الدخول إلى المصرف والاعتصام هناك بطريقة سلمية عبر البقاء في المصرف.
كذلك اقتحم المودع علي ديب الساحلي مصرف BLC فرع شتورة مطالباً بوديعته البالغة 24502 دولار.
وفي صور اقتحم مودع «بنك بيبلوس» شاهراً مسدساً حربياً واحتجز الموظفين، مطالباً بوديعته التي تبلغ 44 الف دولار اميركي. وعلى الفور ضربت القوى الامنية ومخابرات الجيش طوقاً أمنياً حول المصرف. ومنعت الاقتراب من المكان وبدأت المفاوضات لتسوية الامور، أفضت لاحقاً الى تسليمه مبلغاً من المال إلى قريبته.
وقد حضر رئيس جمعية المودعين حسن مغنية وأجرى مع المودع مفاوضات أفضت بعد ساعتين إلى حصوله على مبلغ 352 مليون ليرة على منصة صيرفة من اصل وديعته الـ 44 الف دولار.