فادي موظف في القطاع العام سمحت له وظيفته بأن يكون في مركز لديه مكتب مع جارور كبير. في أوّل العام 2019 اشتمّ فادي رائحة أن المصارف في مشكلة مالية، فطلب موعداً من صاحب المصرف الذي فيه وديعته.
اجتمع فادي مع صاحب البنك وطلب منه تحويل وديعته البالغة حوالى 20 مليون دولار الى الخارج. فأجابه صاحب البنك بأنه لا يستطيع ذلك لأنّ مصدر الاموال غير مشروع ولا يمكن تبريره. فاغتمّ فادي وقال لصاحب المصرف إنه سيبحث عن مصرف آخر يفتح له حساباً في الخارج. ولن أدخل هنا في مسؤولية المصرف الذي سمح بفتح حساب وديعة له. بحث فادي ولم يستطع ايجاد مصرف في الخارج يفتح له حساباً، مع أنه يملك وديعة 20 مليون دولار كان قد جمعها من عمله «الشاق» في القطاع العام بقبض السمسرات والخوات من المواطنين. سحب فادي ما استطاع نقداً من المصرف، وهو اليوم عالق في المصرف يحلم باستعادة وديعته يوماً ما، ويطالب المصرف وصندوق النقد بعدم المسّ بهذه الوديعة. هذه القصة واقعية، وفادي هو كلّ موظف فاسد أو سياسي حرامي سرق ونهب ويرفض اليوم القيام بأي اصلاحات ويعرقل الاتفاق مع صندوق النقد، ويضع عينه على أموال وأملاك الدولة ومصرف لبنان لتسديد وديعته. فادي هو أوّل مودع يجب شطب وديعته ويوجد عدد كبير مثله.
الودائع في النظام المصرفي تبلغ اليوم 90 مليار دولار، وهناك استحالة لإعادتها اذ لا يوجد ما يكفي من الدولارات في النظام المصرفي ومصرف لبنان لدفعها! ويستحيل القيام بأي عملية لتوحيد أسعار سعر الصرف بوجود هذا المبلغ من الودائع. تخيلوا لو أن كلّ اصحاب هذه الودائع قبضوا قيمتها بالليرة ولو بمبالغ صغيرة، وقاموا بتحويلها الى دولار، فسيرتفع سعر الصرف ليبلغ الملايين اذا لم يكن المليارات في فترة قصيرة جدّاً. وهذا ما حصل في زيمبابوي ودول أخرى.
لا شك في ان عدداً كبيراً من المودعين ودائعهم مقدسة، عملوا لجمعها طوال حياتهم بعملهم الشاق في الخليج الحار او في افريقيا الخطرة او حتى في لبنان، فهؤلاء لا يجب المسّ بودائعهم!
بالنتيجة لا بدّ من شطب الودائع التالية، اذا اردنا استرداد الودائع:
1 – ودائع من فوائد الهندسات المالية.
2 – ودائع موظفي القطاع العام والسياسيين او PEPs التي لا يمكن تبريرها.
3 – ودائع تم تحويلها من ليرة الى دولار بعد الثورة.
4 – ودائع خلقتها المصارف من لا شيء بتحويلها مضاعفة مقابل الكاش.
كما يجب استعادة كلّ الاموال التي هرّبت الى الخارج بعد 17 تشرين 2019. اذا تمّ القيام بهذه الخطوات ستنخفض الودائع الحقيقية، ويصبح بالامكان العمل على استعادة الودائع، وذلك بالتأكيد بعد وضع خطة اقتصادية لوقف الهدر وإلغاء العجز في ميزان المدفوعات. هذا ما يطالب به صندوق النقد. وكلّ الضوضاء من الغوغائيين الذين يهاجمونه هم إمّا فاسدون وإما جاهلون لا يدرون ماذا يفعلون!