«شعبوية» الانتخابات تطغى على «الكابيتال كونترول»؟

التشريع في زمن الانتخابات ليس كالتشريع في زمن الأزمات. فكيف بالأحرى إن اجتمعت الأزمات والانتخابات في زمن واحد، في ظلّ وصاية سلطة نهبت وهدرت وسرقت أموال الدولة ومؤسساتها وشعبها طوال سنوات عديدة، ولم تضع حساباتها ومصالحها الشخصية جانباً، حتّى حين نفدت الثروات ووقعت البلاد في انهيار مالي واقتصادي.

قد يكون مشروع قانون «الكابيتال كونترول» في منطق وتسلسل معالجة الأزمات المالية في مختلف البلدان، أولى الخطوات المطلوبة لوقف الانهيار والانطلاق في مسار الإصلاح، قبل وضع خطة التعافي والاختلاف عليها. ولكن بما انّ لبنان تأخّر حوالى عامين وأكثر عن إقراره، واستبدله بتعاميم تنظيمية للمعاملات المصرفية صادرة عن مصرف لبنان، أصبحت صيغة القانون اليوم تستوجب ان تكون مختلفة عن قوانين «الكابيتال كونترول» الاخرى، والتي تهدف أساساً إلى حظر التحويلات المالية إلى خارج البلاد، إلى حين وضع خطة التعافي على السكة والشروع بتنفيذها.

ورغم انّ إقرار القانون اليوم هو أحد الإجراءات الأولية المطلوبة من صندوق النقد الدولي، لكي يسلك الاتفاق المبدئي الموقّع معه، طريقه نحو الحصول على موافقة مجلس الإدارة ومن ثم التمويل، إلّا انّ «الشعبوية» في ظلّ الموسم الانتخابي، طغت مرّة أخرى على مصلحة تعافي البلاد من أزماتها، تحت شعار «حماية أموال المودعين». فكان أن «طارت» جلسة اللجان المشتركة المخصّصة لاستكمال درس قانون «الكابيتال كونترول» بعد مطالبة النواب بربط القانون بخطة التعافي، أي عدم إقراره قبل الإطلاع على خطة التعافي والموافقة عليها، بما معناه «ترحيل» القانون إلى ما بعد الانتخابات كون خطة التعافي لم تُناقش بعد في مجلس الوزراء ولم تصدر بشكل رسمي من قِبل الحكومة، وما زال أمامها طريق طويل من الاعتراضات والمواجهات والمناكفات حولها، على الرغم من انّ نائب رئيس المجلس النيابي دعا إلى جلسة اخرى اليوم لاستكمال مناقشة القانون.

في هذا السياق، اشار النائب ياسين جابر، انّه لم يحصل يوماً ان يصل مشروع قانون الى المجلس النيابي ويُقرّ بصيغته الأولية من دون تعديلات، وبالتالي يحق للجان النيابية تعديله كما تراه مناسباً. وسأل عبر «الجمهورية»: «هل من الأفضل ان يبقى وضع المودع كما هو اليوم على حاله، أم وفقاً لقانون ينظّم العلاقة بين المودع والمصرف؟». لافتاً الى انّ قانون «الكابيتال كونترول» هو من الإجراءات الاولى التي كان يجب اتخاذها والتي تأخّرت وعُرقلت لأسباب سياسية.

وقال جابر: «أليس من الأجدى ان يسحب المودع 1000 دولار شهرياً وفقاً لسعر صيرفة كما ينص مشروع القانون، بدلاً من السقوف المحدّدة للسحوبات النقدية بشكل مختلف استنسابي في المصارف حالياً وعلى سعر صرف الـ8000 ليرة؟ أليس من الافضل ان يكون هناك قانون يضع حدّاً للتعاميم الصادرة عن مصرف لبنان والتي أدّت الى اقتطاعات كبيرة من اموال المودعين؟».

اضاف: «انّ «الكابيتال كونترول» أصبح واقعاً من دون قانون، وبالتالي من الأجدى إقرار قانون ينظّم العمليات المصرفية ويحسّن وينظّم علاقة المودع مع المصرف، ويمنع الاستنسابية في التعامل مع المودعين…».

وشرح انّ مشروع القانون ليس منزلاً بصيغته الحالي، «وقد صوّتت اللجان النيابية امس الاول على دراسته مادّة مادة، وبدأت «خرطها»، وهناك مواد عدّة يمكن حذفها واخرى يمكن اضافتها. على سبيل المثال، فإنّ الاعتراض على منح المصارف حصانة بوجه الدعاوى القضائية، يمكن معالجته من خلال تعليق العمل بهذه المادة لمدة عام (moratorium)، وغيرها من التعديلات التي من الممكن إضافتها، حيث كنا قد بدأنا بالأخذ في الاعتبار اقتراحات لجنة من نقابة المحامين لتعديل القانون».

وفي الختام، اعتبر جابر انّ الانتخابات تطغى على كل شيء اليوم. لافتاً الى انّ «الرسالة التي نبعث بها لصندوق النقد الدولي من خلال عرقلة إقرار قانون «الكابيتال كونترول»، سيئة للغاية».

مصدرالجمهورية - رنى سعرتي
المادة السابقةهل يتوانى “الصندوق” عن مساعدة لبنان؟
المقالة القادمة«الكابيتال»: إنتكاسة.. الدولار: تحليق..