عبارتان تختصران إنعكاسات “كورونا” الخطيرة على الإقتصاد، الأولى وردت في تقرير أميركي عن ان “فيروس كورونا ينشر الكآبة الاقتصادية في جميع أنحاء العالم”، والثانية أتت على لسان رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا التي قالت ان “تأثير الوباء قد يكون قصير الأجل لكنه يتزامن مع اقتصاد عالمي يعاني من الهشاشة”. هذا على الصعيد العالمي فماذا عن لبنان؟
على غير عادته يبدو حامد الذي يملك كشكاً لبيع القهوة والعصائر على الخط الساحلي هادئاً عند الساعة السابعة والنصف صباحاً ولا “يقفز” من سيارة إلى أخرى لتلبية الطلبات. وعند سؤاله عن سر غياب الإزدحام الصباحي المعتاد، يجيب بلهجته المصرية المحببة “يخرب بيت كورونا… بدو يخربلنا بيتنا”.
الحالة على بساطتها والتي يبدو أنها كانت عامة مع بداية الأسبوع على مختلف أكشاك البيع والمحلّات، قد تكون مدخلاً لأزمة جدّية في حال استمرت وتعمّقت، ولم تكن مجرد فورة “دلع” تُنسى بعد أيام قليلة ككل الفورات اللبنانية.
تجنّب الأماكن المزدحمة مثل “المجمعات التجارية والسينما والمسارح والمطاعم والمسابح” يكون في العادة ردّ الفعل الأول في مختلف الدول التي شهدت تفشي كورونا، هذا طبعاً في حال لم يتحوّل الفيروس الى وباء يجري على أثره عزل مناطق بأسرها.
“هذا الواقع المستجدّ عطّل رحلات الكثير من رجال الأعمال اللبنانيين الذين دأبوا في الآونة الأخيرة على زيارة الصين بشكل خاص وغيرها من البلدان بشكل عام من اجل عقد الإتفاقيات التجارية وشراء البضائع بشكل مباشر”، يقول رئيس غرفة التجارة الدولية وجيه البزري. وبرأيه “مهما أحب المرء سواره فلن يحبه على زنده” في إشارة إلى جنوح معظم الأشخاص الى تفضيل الوقاية على التقاط المرض بهدف الربح التجاري أو قطف الفرص، “فالخوف الكبير من إلتقاط الفيروس أوقف نهائياً العلاقات المباشرة مع الصين”، يشير البزري.
في الوقت الذي لم تتضرّر فيه التجارة الدولية غير المباشرة القائمة على المعاملات المصرفية بشكل كبير فإن انعكاسات الوباء على الاقتصاد اللبناني في الخارج والداخل ستكون كارثية، خصوصاً مع اضطرار التجار ورجال الاعمال الى عقد الصفقات ودفع الاموال مباشرة بعدما أوقفت أغلبية المصارف فتح الاعتمادات ومنعت تحويل الاموال وقُطعت العلاقات مع العديد منها من قِبل المصارف المراسلة في الخارج. وبحسب الإحصاءات الدولية فقد تراجعت حركة الطيران على الصعيد العالمي باتجاه المناطق والدول الآسيوية بنسبة 27 في المئة منذ بدء تفشي الوباء.
السياحة الداخلية ضُربت
المتابعون للشأن العام يلاحظون بوضوح تراجُع التنقلات وزيارة الأماكن العامة، حتى ان “المواطنين في غالبيتهم أحجموا عن الخروج والترفيه عن أنفسهم متأثرين بالأخبار والإشاعات ونتيجة الخوف من التقاط العدوى. وهو ما يلاحظ في المطاعم وأماكن اللهو”، يلفت عضو مجلس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسيري وأمين الصندوق في النقابة عارف سعادة.
بغضّ النظر عن خطورة الفيروس وان كان مميتاً ام ان نسبة الوفيات من الذين يصابون به لا تتجاوز 2 في المئة، فإن حالة الهلع التي تترافق معه على الصعيد العالمي وفي الداخل اللبناني تجعل المواطنين أسرى بيئاتهم الآمنة، و”هذا هو ببساطة الخطر الحقيقي على الإقتصاد ومكمن الخوف”، يضيف سعادة، لأنه سيؤدي إلى شل الحركة السياحية والتجارية وإلى تراجع كبير في السياحة الخارجية.
هذا الواقع يترافق مع إنهيار إقتصادي وإقفالات بالجملة تطال مختلف القطاعات والمجالات، دفعت مؤخراً الى تجاوُز عدد المؤسسات المقفلة في القطاع السياحي وحده الـ 885 مؤسسة مع ما رافقها من صرف آلاف العمال والموظفين.
رئيس لجنة الصحة النيابية السابق د.اسماعيل سكرية يعتبر أن “حالة الهلع الحقيقية التي سيسببها كورونا لم تبدأ بعد. وهي لن تنتظر تفشي الوباء بكثرة، بل يكفي ان يرتفع عدد الاصابات الى ما يزيد عن عدد اصابع اليد الواحدة حتى ينتشر الخوف مثل النار في الهشيم”، عندها بحسب سكرية “تدخل الجدية أكثر وأكثر في نفوس الناس ويزداد أخذ الاحتياطات، ويتوقف الأفراد عن التواجد في أماكن التجمعات سواء كانت مجمعات تجارية، مدارس أو جوامع وكنائس وغيرها الكثير… وهو ما يسبّب حالة من الشلل التام”، و”الأخطر هو ما يتم تداوله عن ان الوباء من الممكن ان ينتقل بالعملة، وبالتالي سيخفف المواطنون استعمال النقود قدر الامكان”، يختم سكرية. إنعدام الثقة
ما يُثير قلق المواطنين ليس “الفيروس” بحدّ ذاته، بل إنعدام ثقتهم بالإجراءات العامة وافتقار الدولة بمختلف أجهزتها إلى أبسط مقومات مقاومته. ففي اللحظة الأولى لظهور أول إصابة بالفيروس في لبنان فُقدت الكمّامات من الأسواق وبدأت حملات رفع الأسعار على المعقّمات والمنظفات. واقعة تطرح جدياً القدرة على تأمين أدوات الوقاية وحتى الأدوية والعلاجات خصوصاً مع عدم دخول إتفاق نقابة مستوردي الأدوات والأجهزة الطبية مع مصرف لبنان لتأمين دولار الإستيراد حيّز التنفيذ. أوساط النقابة تشير إلى ان المصرف المركزي أعطى الامر للمصارف لتأمين 85 في المئة من الفاتورة بالدولار على الصعيد الرسمي في حين ان المصارف ما زالت تتحجّج بعدم تبلّغها رسمياً.
غياب عناصر الأمان وفقدان الثقة بقدرة المعنيين على معالجة نتائج الفيروس بشكل صحيح وفعال… عناصر أضيفت إلى أوسع موجة إقفال وصرف موظفين يشهدها القطاع الخاص وسواد حالة من الإحباط والقلق بشكل عام، جعلت من “حبّة” الفيروس “قبّة” من الممكن أن تنفجر في أي لحظة.