لم يُعرف عن المجلس النيابي قدرته على التمرّد على «حزب المصرف». لذلك، كانت التوقعات تشير إلى أن قانون تعليق السرية المصرفية لغايات التدقيق الجنائي لن يمر. لكن ما حصل أن القانون أُقِر. وهذا أحال النقاش إلى احتمال من اثنين: إما أن المجلس اقتنع بأنه لم يعد بالإمكان تخطّي مطلب التدقيق في حسابات مصرف لبنان، أو أن ألغاماً فخّخت النص الذي أُقِر ليغدو حبراً على ورق. أداء وزارة المالية، المسؤولة عن الملف، سيكون المعيار في الفترة المقبلة. إذا أصرّت على «التوازي» في التدقيق في حسابات مصرف لبنان وحسابات المؤسسات الأخرى، يكون «حزب» المصرف قد انتصر مجدداً
إذا كانت السرية المصرفية هي الذريعة التي شهرها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في وجه التدقيق الجنائي، فقد أسقط المجلس النيابي هذه الذريعة، بإقرار قانون يعلّق العمل بقانون السرية المصرفية لغايات التدقيق الجنائي في مصرف لبنان. نظرياً، بعد مرور نحو عام على إقرار مجلس الوزراء للتدقيق الجنائي وتكليف وزير المالية التفاوض مع الشركة المعنية (٢١ آذار ٢٠٢٠)، يبدو أن القرار سينفذ. هذا ما أكدته وقائع الجلسة التشريعية التي عقدت أمس، في قصر الأونيسكو، وتضمّن جدول أعمالها ٧٠ بنداً، من بينها أربعة اقتراحات تتعلق بالتدقيق الجنائي. الخشية كانت من التذرّع بوجود هذا العدد من الاقتراحات لإعادة الملف إلى اللجان بحجة السعي إلى توحيد النص والعودة مجدداً إلى الهيئة العامة. لكن قراراً كهذا بدا أكبر من أن يُبرّر أمام الرأي العام، خصوصاً أن النائب جورج عدوان طالب بأن يتم التصويت بالأسماء في حال الإصرار على التأجيل، نظراً إلى خطورة الموضوع، وليعرف الناس فعلاً من يريد التدقيق الجنائي ومن لا يريده.
وبعدما كان النائب إبراهيم كنعان مؤيداً لتحويل الاقتراحات الأربعة إلى لجنة المال والموازنة تمهيداً للخروج بصيغة واحدة، عاد وأصرّ على بتّ الموضوع في الجلسة من دون تأجيل، داعياً إلى الأخذ باقتراح تكتل لبنان القوي، لأنه الأبعد مدى (لا يحدد رفع السرية المرتبطة بالتدقيق الجنائي ولا يقتصر على التدقيق في مصرف لبنان). كذلك أصرّ النائب حسن فضل الله على أن يُقَرّ القانون في الجلسة، لإلزام مصرف لبنان بالتعاون مع التدقيق الجنائي من دون التذرّع بالسرية المصرفية، مشيراً إلى أن المصرف سبق أن التفّ على قرار المجلس النيابي (لم يحوّل حساباته إلى وزارة المالية، بل اكتفى بتحويل حسابات الوزارات والإدارات العامة).
أمام إصرار ثلاثي القوات – التيار – حزب الله على السير في التدقيق، لم يبق أمام المجلس سوى البحث في نص القانون. وقد تولى النائب علي حسن خليل الإخراج. فاعتبر أن اقتراح القوات هو الأكثر قدرة على التنفيذ، لأنه يحصر رفع السرية بسنة واحدة ولغاية التدقيق الجنائي حصراً. لكنه أصرّ على ربط الاقتراح بالقرار الذي سبق أن اتخذه المجلس النيابي، ومفاده أن «تخضع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلّة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة، بالتوازي، للتدقيق الجنائي دون أي عائق أو تذرّع بسرية مصرفية أو خلافها».
الساعون إلى التدقيق الجنائي تلقّفوا الأمر. فهذه إشارة إلى أن القانون سيمر. لذلك، لم يتم التمسك باقتراح وزيرة العدل ماري كلود نجم، التي اعتبرت أن الربط بقرار المجلس يجب أن تتم الإشارة إليه في الأسباب الموجبة وليس في نص القانون. ولدى مناقشة الصيغة النهائية بين ثلاثي كنعان، عدوان، فضل الله إضافة إلى نجم، فكّكت الأخيرة لغماً، من خلال طلبها التأكيد على القرارات الحكومية السابقة (كي لا يتم انتظار الحكومة الجديدة لإقرار قرار جديد). خليل بادر النواب الذين يعدّون الصيغة النهائية بالقول مازحاً: ماذا تفعلون؟ صار القانون في المطبعة، فيما هدّد نواب المستقبل بسحب الموافقة على القانون، في حال تغيير النص. بالنتيجة، تم اعتماد الاقتراح المقدّم من القوات كقاعدة، مع إجراء بعض التعديلات عليه، لناحية تعميم التدقيق والربط مع قرار مجلس النواب. فنص القانون على التالي: «يعلق العمل بقانون سرية المصارف الصادر بتاريخ 3\9\1956 وجميع المواد التي تشير إليه لمدة سنة تسري من تاريخ نشر هذا القانون في كل ما يتعلق بعمليات التدقيق المالي والتحقيق الجنائي التي قررتها وتقررها الحكومة على حسابات المصرف المركزي، أياً كانت طبيعة هذه الحسابات، والوزارات والإدارات والمؤسسات العامة والهيئات والمجالس والصناديق، كما جاء في قرار المجلس النيابي، ولغايات هذا التدقيق ولمصلحة القائمين به حصراً. ويشمل مفعول التعليق كل الحسابات التي تدخل في عمليات التدقيق».
النص يزيل الشك في إمكانية أن لا تكون المصارف التجارية مشمولة به، بإشارته إلى كل الحسابات التي تدخل في عملية التدقيق. لكنه لا يتطرق بشكل مباشر إلى مسألة التزامن من عدمه، علماً بأن العودة إلى المحضر لتفسير النص، تقود حكماً إلى التأكيد أن المستهدف في التحقيق أولاً هو مصرف لبنان. وبالتالي، فإن عدداً من النواب يؤكد أن الخشية من أن يهدف إقحام عبارة «كما جاء في قرار المجلس النيابي» (التوازي في التحقيق بين مصرف لبنان والمؤسسات الأخرى) إلى تفخيخ القانون ليست في محلها، لأنه حتى لو تم افتراض طلب المعلومات من كل الجهات المعنية بالتدقيق في الوقت نفسه، فإن ذلك لا يعني أن النتائج ستصدر بالتزامن. كذلك، ليس بالضرورة أن يصار إلى التعاقد مع شركة تدقيق واحدة لإجراء التدقيق في كل المؤسسات المستهدفة. أضف أن القانون واضح بالتأكيد على تناوله عمليات التدقيق الجنائي التي «قررتها وتقررها الحكومة». وهو بذلك يؤكد القرار المتخذ من حكومة حسان دياب بشأن التدقيق في حسابات مصرف لبنان تحديداً. وهذا يقود إلى إمكانية إحياء العقد الموقّع مع شركة «ألفاريز أند مارسال»، بما يسمح لها باستئناف العمل الذي كانت بدأته، علماً بأن مصادر مطّلعة تؤكد أن الشركة، وفي مراسلة رسمية، أكدت أنها لا تمانع ذلك متى حصلت على الضمانات التي تسمح لها بتنفيذ عملها. وهو ما تحقق فعلاً مع إقرار القانون. وإذا حصل ذلك، فإنه يمكن التعاقد مع شركة أخرى لإجراء التدقيق الجنائي في المؤسسات والإدارات الرسمية الأخرى.
ذلك لا يعفي من القلق. «حزب المصرف» لن يألو جهداً لعرقلة عملية التدقيق، كما فعل منذ عام إلى اليوم. فهل ستكون حجة «التوازي» الشمّاعة الجديدة، بعدما سقطت حجة السرية المصرفية؟ العين ستتجه نحو وزارة المالية المحسوبة على الرئيس نبيه بري. إما تستعيد العمل مع «ألفاريز أند مارسال» حتى لو بعقد جديد، لكن محصور بمصرف لبنان، أو تعمد إلى عرقلة التدقيق الجنائي في المصرف، من خلال السعي إلى إيلاء مهمة التدقيق في حسابات كل المؤسسات إلى شركة واحدة. ذلك سيعني عملياً تضييع التدقيق في مصرف لبنان مجدداً، أولاً لأن سنة واحدة لن تكفي لإجراء التدقيق في كل حسابات الدولة، وثانياً لأن عقداً كهذا قد يحتاج إلى أشهر للتفاوض بشأنه ثم توقيعه (خاصة إذا فتح الباب أمام تقدم شركات جديدة)، وهي مدة ستُحسم من السنة التي يحددها القانون، والتي تبدأ منذ لحظة نشره في الجريدة الرسمية.
اعتماد أدوية الجنريك
أقر المجلس النيابي تعديل قانون مزاولة الصيدلة، بما يسمح باعتماد أدوية الجنريك. وبهذا التعديل، صار يحق للصيدلي أن يصرف لحامل الوصفة الطبية دواء تحت اسم جنيسي (generic) حتى لو كان كان غير مذكور فيها. وألغيت الفقرة التي كانت تشترط موافقة الطبيب إلزامياً على الوصفة على الاستبدال أو عدمه وفق النموذج المعتمد من قبل وزارة الصحة العامة.
المس بأموال الضمان محظور
قانون حماية أموال الضمان كان من أبرز ما أقرّه المجلس النيابي أمس. وبموجبه، يمنع منعاً مطلقاً التصرف بأموال الضمان الاجتماعي وديونه، أو الحسم منها أو اقتطاعها، من أي جهة كانت ومهما كانت طبيعة هذا التصرف، ولا سيما لجهة الإجراءات الاقتصادية أو النقدية لمعالجة الوضع الاقتصادي أو النقدي. كما يحظر على أيّ كان، بما في ذلك مجلس الوزراء أو المصرف المركزي، وعلى جميع المصارف اللبنانية أو الأجنبية العاملة في لبنان، المساس بأموال الضمان الاجتماعي وديونه. وتشمل أحكام هذا القانون جميع أموال الصندوق المودعة لدى المصرف المركزي أو المصارف العاملة في لبنان، ولا سيمّا: الودائع المصرفية العائدة لهذا الصندوق وأمواله المكتتب بها بسندات خزينة، أو بشهادات إيداع في المصرف المركزي، وأي أموال مستثمرة لصالحه أو مودعة له أو سندات مالية مهما كان نوعها. ويجب على المودع لديه أو المستثمر لديه، أياً كان، أداء هذه الأموال فور طلبها وبالعملة المودعة بها. كما تعتبر هذه الأموال والودائع مستحقة الأداء والتسليم للصندوق قبل أي وديعة، وفي أي ظرف كان، ولا سيّما في حالات الإفلاس أو الحل أو التصفية أو في حالة التوقف عن الدفع. ويجب على المصارف كافة التسديد الفوري للتقديمات التي يقدمها الصندوق من حساباته المفتوحة لديها، للمضمونين وأصحاب العلاقة المستفيدين من دون أي تأخير.
إعفاء من رسوم الميكانيك
صدّق المجلس اقتراح القانون المقدم من النائبين ياسين جابر وأمين شري لإعفاء جميع المركبات الآلية الخصوصية والعمومية والدراجات النارية والمركبات الآلية المعدّة للإيجار من رسم السير السنوي للعام 2020 و2021. ووفقاً للقانون، فإن السيارات العمومية وباصات نقل الركاب والسيارات المخصصة للتأجير ستحصل على إعفاء بنسبة 100 في المئة. أما المركبات والدراجات النارية الخصوصية فستعفى تبعاً لعدد الأحصنة وسنة الصنع، بنسبة تراوح بين 70 و90 في المئة. ولن تعفى السيارات من الرسوم في بعض الحالات، كأن يكون عدد الأحصنة ما فوق 51 حصاناً وتاريخ الصنع ما بعد العام 2005…