أعاد الكلام الذي نقل عن وزير الخارجية جبران باسيل أنه «يريد استعادة حقوق المارونية السياسية بعدما أتت السنية السياسية على جثتها»، الحديث عن اتفاق الطائف ومحاولات البعض تعديله، وكان آخرها قبيل تشكيل الحكومة ووصل إلى حد إصدار رؤساء الحكومات السابقين بيانا محذرين من المساس بصلاحيات رئاسة الحكومة.
لكن ومع شبه الإجماع اللبناني على رفض هذا الأمر، يأتي اتهام بعض الأفرقاء السياسيين لباسيل بمحاولة الاستئثار بالسلطة عبر «ممارسات عدة لا تقتصر على طائفة دون غيرها»، بحسب ما يقول النائب في «القوات اللبنانية» جورج عقيص، بينما يرى القيادي في «تيار المستقبل» مصطفى علوش أن باسيل يحاول تغيير اتفاق الطائف بالممارسة بعدما بات تغييره الفعلي وراءنا.
هذا علماً بأن باسيل وبعد الردود المستنكرة لكلامه، عاد وأصدر بيانا توضيحيا رافضا «تصويره وكأنه يتعرض للطائفة السنية كسعيه إلى إقالة مدير عام الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، أو عبر سرد محرّف ومشوّه للقاءاته بمجموعات من أبناء الطائفة السنية، يتعمد القيام بها إظهاراً لوطنية التيار التي يبدو أنها تزعج المتضررين من هذا الانفتاح ومحاولة شد عصب مكشوفة».
لكن هذا التوضيح لا يلغي واقعا بالنسبة إلى بعض الأفرقاء وتحديدا حيال «ممارسات» باسيل، وآخرها المعلومات التي أشارت إلى محاولاته إقالة المدير العام لقوى الأمن الداخلي، وهو ما أكدته وزيرة الداخلية ريا الحسن، ورد عليه «تيار المستقبل» بالقول بأنه «خط أحمر»، وكذلك إصراره على التدخل في التعيينات الأمنية، وتحديدا الأعضاء المسيحيين لمجلس قيادة قوى الأمن الداخلي إضافة إلى محاولة تفرده بمختلف التعيينات المسيحية.
ومع تأكيده على رفض الكلام الطائفي ورفضه لممارسات باسيل، يدعو النائب في القوات اللبنانية جورج عقيص إلى الاتعاظ من تجارب الماضي والتمسك بمنطق الدولة، بينما يرى القيادي في «تيار المستقبل» مصطفى علوش أن الحديث عن تعديل اتفاق الطائف بات وراءنا لأن هذا الأمر لن يكون لصالح أي جهة وعلى رأسها المسيحيون والشيعة، إنما ما يقوم به باسيل هو العمل على تغيير الاتفاق بالممارسات.
ويرى عقيص أن ممارسات باسيل «لا تستهدف السنة إنما كل الطوائف حتى أنه يحاول التفرّد بالقرار المسيحي في التعيينات وغيرها وهو ما لن ينجح به كما لم ينجح من حاول قبله». ويقول النائي القواتي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «فريق رئيس الحكومة سعد الحريري وبينهم وزيرة الداخلية ريا الحسن يقولون إنه يضحّي برصيده وحسابه لصالح البلد، لكن برأيي أن مصلحة البلد الآن لا تؤمن بالتضحية وبالتالي بات الخوف من أن هذه التضحية قد تقضي على البلد».
في المقابل يؤكد علوش أن هذا الواقع لا بد أن يتغير في المرحلة المقبلة، ويقول لـ«الشرق الأوسط» «الحديث عن تعديل الطائف بات وراءنا لأن أي خطوة في هذا الإطار لن تكون لصالح أي طرف، إنما باسيل الذي يعمل على استخدام الطائفية لمصلحته في الحكم، يحاول تغييره عبر الممارسات».
ويوضح أن رئيس التيار الوطني «استند في زعامته على الكلام الذي يشكّل جذبا لفئة معينة من المسيحيين وبالتالي هدفه ليس طائفي بقدر ما هو زعامة يستخدم فيه كل الوسائل». ومع تحذيره من تمادي باسيل في هذه السياسية التي باتت تجعله يفرض رأيه وموقفه في أمور كثيرة، يؤكد علوش على أهمية الوقوف في وجهه لأن ممارسات كهذه تؤدي في النهاية إلى دمار المؤسسات». ويرى أن نجاح باسيل في المرحلة الحالية في تحقيق ما يريده سببه «اللعب على الحبلين» باعتباره حليف السنة والشيعة وخصمهما في الوقت نفسه، وبالتالي قادر على استخدام ورقة «حزب الله» ضد الآخرين واستخدام الآخرين ضد الحزب.
كذلك، يضع عقيص تدخل باسيل في التعيينات وما حصل في التشكيلات القضائية الأخيرة وتداعياتها اليوم على القضاء إضافة إلى قرار المحكمة العسكرية في قضية سوزان الحاج أول من أمس في هذه الخانة، سائلاً: «لماذا اقتصر ملف الفساد القضائي على خمسة قضاة وتوقف عندما وصل عند أسماء لم يرفع الغطاء السياسي عن أصحابها حتى أنهم يوعدون بمراكز أعلى؟»، وأكد: «نحن لا ندعو إلى التكتل ضد فريق معين بل إلى الكف عن ممارسات تسيء إلى الدولة ونرفض الأحادية في الحكم»، وأضاف: «لا بد أن نواجهها بالتمسك بمنطق الدولة واتباع الآليات الدستورية والقانونية».
والى الرد الذي أتى في مقدمة أخبار تلفزيون «المستقبل» على كلام باسيل الأخير، كان أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري قد ردّ على كلام باسيل قائلا: «ليس هناك في لبنان سنية سياسية أتت على جثة المارونية السياسية. هناك صيغة وفاق وطني كرسها اتفاق الطائف وأنهت الحرب الأهلية، وخلاف ذلك مجرد نبش في القبور القديمة». وأضاف: «وإذا كان هناك من يرغب في تشويه التاريخ للإيحاء بأن مرحلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري جاءت على جثة المارونية السياسية نقول أيضا: هناك حريرية وطنية عابرة للطوائف لم تشارك بألعاب الدم والحرب، ولم تأت على جثة أحد… بل هي بادرت لرفع خراب المتقاتلين من الشوارع وإعادة الاعتبار إلى ثقافة العيش المشترك».