مطلع الشهر الجاري، أصدرت هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل رأياً يجيز لوزارة الإتصالات إجراء عقد مصالحة مع شركة «مياتيل» وتسديد 1.195 مليون دولار بسعر الصرف الرسمي من أصل صفقة «نظام إدارة الطيف التردّدي» التي تبلغ قيمتها 9 ملايين دولار. حصلت هذه الصفقة في أواخر 2013 حين أُجبرت شركتا الخلوي، «ألفا» و«تاتش»، على شراء النظام نيابة عن وزارة الإتصالات، أي خارج الأصول. إلا أن الوزارة امتنعت عن استلام النظام لغاية عام 2017، ولم يتمّ الاستلام النهائي إلا في مطلع السنة الجارية، أي بعدما تحوّل النظام إلى تكنولوجيا بالية بقدرات تقنية محدودة.
تعود قصّة الصفقة إلى عام 2008 عندما تلقّت الهيئة الناظمة للاتصالات هبة من وكالة التنمية الأميركية (USAID) بقيمة 3 ملايين دولار بهدف بناء نظام إدارة الطيف والتردّدات (نظام يجري مسحاً لكافة الترددات المستعملة في الأجواء اللبنانية سواء من مصادر شرعية أو غير شرعية). وافق مجلس الوزراء على الهبة المشروطة لعملية الشراء بعدما تحدّد الهيئة المواصفات. أجرت الوكالة استدراج عروض شاركت فيها شركتان، أميركية وألمانية. ورغم أن المواصفات الفنية التي طلبتها الهيئة تنطبق أكثر على الشركة الألمانية، إلا أن الواهب قرّر التعاقد مع الأميركية التي لم تتمكن من الإيفاء بالشروط التقنية، ما دفع الوكالة إلى الغاء الاتفاق واستدعاء الشركة الألمانية «Rohde & Schwarz»، لتنفيذ العمل وتسليمه في 2011. لكن بعد بضعة أشهر، في تشرين الأول 2010، شارك رئيس الهيئة عماد حب الله في مؤتمر المندوبين المفوضين للاتحاد الدولي للاتصالات في المكسيك وصوّت ضدّ التعديات الاسرائيلية على شبكات الاتصالات، فاتّخذت الوكالة الأميركية موقفاً عدائياً من الهيئة، وألغت الهبة من أساسها.
في أواخر 2013، طلب وزير الاتصالات نقولا الصحناوي موافقة الرؤساء الثلاثة (ميشال سليمان، نجيب ميقاتي، ونبيه بري) على استكمال المشروع لأسباب «تتعلّق بالأمن القومي». يقول الصحناوي انه تلقى في ذلك الوقت تقريراً أمنياً يطلب الإسراع في صفقة شراء هذا النظام، ففي حينه «كانت التفجيرات تتتالى في لبنان، وسبقت ذلك عملية اغتيال اللواء وسام الحسن التي أظهرت أن هناك شبكة اتصالات فتحت في الأشرفية ثم أغلقت بعد الاغتيال». وبما أن صلاحيات الهيئة الناظمة كانت قد انتقلت آنذاك إلى الوزير إثر قرار من مجلس شورى الدولة يعتبر وجودها نافذاً، ولم ينفّذ، «استكملنا شراء النظام من حيث انتهت إليه الصفقة في 2011 مع الشركة الألمانية التي كان لديها وكيل محلّي» وفق الصحناوي. إلا أن الوزير لم يطلب من الوزارة إطلاق مناقصة تلزيم، بل أجبر «ألفا» و«تاتش» على شراء النظام من الوكيل المحلّي الذي سيورّد الأشغال المطلوبة من الشركة الألمانية. هكذا تكفّلت «MIC1» بدفع 4 ملايين و290 ألف يورو، و«MIC2» بـ4 مليون و225 ألف و71 يورو، فضلاً عن ثمن قطعٍ إضافية يتوجّب على (MIC2) دفعها بقيمة 41.500 دولار.
لم يكد يمضي أسبوعان على صدور أمر الشراء من الشركتين، حتى استقالت الحكومة، وتسلّم الوزارة بطرس حرب الذي رفض المضي في الصفقة وشكّل لجنة لدرس الاحتياجات وتحديد المواصفات المتعلقة بنظام إدارة الطيف التردّدي، إلا أنه لم يتخذ أي إجراء بشأن الصفقة المعقودة أصلاً عبر شركتي الخلوي، ولم يصدر أي رأي بشأن المواصفات التي أعدّت في 2008 ومضى عليها الزمن.
على أي حال، يبدو أن الشركة الملتزمة «مياتيل» أخذت وقتها أيضاً. فهي لم تنجز الأعمال المطلوبة إلا بعد فترة فيما كانت الوزارة ترفض استلامها. واستمرّ ذلك حتى تعيين جمال الجراح وزيراً للاتصالات، فقرّر في آب 2017 استلام النظام. وهناك روايتان لما حصل مذذاك؛ الأولى أنه لم يجر الاستلام الفعلي حتى عام 2019، والثانية أن النظام والمعدات جرى تركيبها وتشغيلها لمصلحة أجهزة أمنية بشكل غير رسمي حتى لا تصطدم مع جهات محلية. فتم تركيب معداتٍ في مركز مراقبة الطيف في الطابق الثاني من مبنى وزارة الاتصالات، وفي مركز تخزين المعلومات والأنظمة في ميناء الحصن، فضلاً عن محطة ثابتة في سوق الغرب وأخرى في غوسطا، ومحطتين متنقلتين على سيارتين رباعيتي الدفع. ومع تضرر بعض التجهيزات بفعل انفجار المرفأ، طُلب من «مياتيل» إعادة تجهيزها واختبارها قبل تسديد الدفعة الاخيرة لها والبالغة 1.195 مليون دولار. إلا أن الوزارة لم تقم بالاختبارات الرسمية للتأكد من تشغيل النظام. ومن جهتها، لم تتوقف «مياتيل» عن مطالبة وزارة الاتصالات بالاستلام النهائي للنظام وتسديد الأموال. ووجّهت رسالة إلى الوزير جوني القرم في هذا الشأن، فشكّل لجنة استلام من مديريات الوزارة وممثلين عن «ألفا» و«تاتش»، وممثّل عن الهيئة الناظمة، أنهت عملها في 18 نيسان الماضي، وأوصت بأنها «لا ترى مانعاً من اعتبار المعدات والأجهزة المورّدة من شركة مياتيل مُستلمة استلاماً نهائياً، وتفي بمتطلبات العمل الذي تم شراء النظام من أجله». مع العلم أن معلومات “الاخبار” تؤكد أن الهيئة الناظمة سلمت وزارة الاتصالات تقريراً مفصلاً اعتراض فيه على تقرير لجنة الاستلام.
إذاً، استلمت الوزارة نظاماً لمراقبة وإدارة الطيف الترددي متخلفاً تكنولوجياً عن متطلبات الوضع الحالي رغم أنه يفي بمواصفات الشراء. وقد أفتت هيئة الإستشارات وديوان المحاسبة، بجواز تسديد المبلغ المتبقي للشركة وفق سعر الصرف الرسمي بتاريخ الدفع، بمعزل عن قانونية الصفقة من عدمه، ولذلك حوّل الديوان الملف الى الغرفة الخامسة لديه للتحقيق به. إلا أن الشركة تطالب بالمبلغ «فريش»، وهو الأمر الذي «نتفاوض عليه مع الشركة حالياً» وفق ما يقول القرم.