بينما كان العالم في أمس الحاجة للسيولة الدولارية خلال الربع الأول من العام الجاري، واضطرت العديد من البنوك المركزية في آسيا وأوروبا لفتح “خطوط ائتمان لتبادل العملات” مع مصرف الاحتياطي الفيدرالي “البنك المركزي الأميركي” لتوفير الدولارات لأسواقها، جمعت صناديق الثروات الخاصة التي تدير معظمها البنوك الكبرى في سويسرا وأميركا وبريطانيا ترليونات الدولارات من جائحة كورونا.
ووفقاً للبيانات التي نشرها مصرف “يو بي أس” السويسري الذي يعد من كبار مديري الثروات في العالم، فإن حجم السيولة بصناديق الثروة الأميركية وحدها سجل ارتفاعاً قدره ترليون دولار في ثمانية أسابيع فقط بين بداية مارس/ آذار والخامس من مايو/ أيار الماضي.
وساهمت هذه السيولة الضخمة من صناديق الثروة في تحقيق الأرباح الطائلة من العمليات المالية، كما جنت أرباحاً كذلك من المصاريف التي كسبتها من تنفيذ الصفقات الضخمة والسريعة أثناء لحظات الذعر التي عاشتها أسواق المال واضطرت العديد من الأثرياء إلى تنفيذ عمليات تحوط سريعة تقلل خسائرهم من اضطرابات أسواق المال.
وفي مقابل الذعر الذي أصاب صغار المستثمرين الذين هربوا بكثافة من أسواق الأسهم، احتفظ كبار المستثمرين بأموالهم في أسواق المال واشتروا بكثافة أسهم الشركات المنهارة، وهو ما أربحهم أموالاً طائلة حينما تدخل مصرف الاحتياط الفدرالي “البنك المركزي الأميركي” وتبعته البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى وضخت ترليونات الدولارات في الأسواق العالمية.
وكانت العديد من صناديق الثروة قد شهدت تراجعاً كبيراً في أصولها المستثمرة بنهاية شهر مارس/ آذار الماضي، إذ تراجعت أصول صندوق “يو بي أس ويلث غلوبال” السويسري من 2.9 ترليون دولار إلى 2.59 ترليون دولار، كما تراجعت أصول الثروة التي يديرها مصرف مورغان ستانلي الأميركي من 2.7 ترليون إلى 2.4 ترليون دولار، كما تراجعت كذلك أصول ثروة صندوق الثروة بمصرف كريدي سويس منجمنت، وذلك وفقاً لنشرة “يورو موني” المتخصصة في شؤون المال.
صناديق الثروة إذا هربت من السوق، إذ إن الهروب سيعني أن الخسارة الدفترية في مؤشرات الأسهم ستتحول من خسارة دفترية إلى خسارة حقيقية. ويلاحظ أن مؤشر داوجونز الرئيسي في سوق وول ستريت هبط إلى أقل من 20 ألف نقطة في مارس، قبل أن يعود للارتفاع مقترباً من مستوياته قبل جائحة كورونا.
في هذا الشأن، قال مستثمر الثروات بصندوق أمري برايز فاينانشيال الأميركي، كارلوس إف أرياس، في مقال بموقع “يورو موني ماترز” الاستثماري، “من المهم أن تحتفظ بالهدوء في لحظات اضطراب الأسواق وأن لا تدع العواطف تسيطر على قراراتك”.
وأضاف، “العاطفة الاستثمارية تضخم الأمور خلال فترة تدهور السوق، ولكن عبر السيطرة عليها يمكنك أن تحافظ على الاستمرار في أهدافك المالية”. من جانبه قال رئيس صندوق “يو بي أس غلوبال ويلث منجمنت” بأميركا، مايكل كروك، إن “تصرف شركته أثناء فترة اضطراب أسواق المال ساهم في تهدئة الزبائن الأثرياء”.
لكن على الرغم من هذه التعليقات، يرى محللون أن ما ساعد هذه الصناديق الترليونية على الصبر على الخسائر في فترة الانهيار، درايتها بتصرفات صناع السياسة النقدية بالبنوك المركزية الكبرى وربما كذلك العلاقات الوثيقة بينها وبين السلطات النقدية والحكومات في الاقتصادات الكبرى.
في هذا الشأن يرى خبراء ماليون أن صناديق الثروة العالمية لم تهرب من أسواق المال حينما حدث الانهيار الكبير، لأنها كانت على يقين أن مصرف الاحتياط الفدرالي” البنك المركزي الأميركي” لن يترك سوق “وول ستريت” تحت رحمة جائحة كورونا، لأن ذلك ربما سيقود إلى أزمة مال عالمية جديدة.
ويعد مصرف “يو بي أس” السويسري من كبار مدراء الثروات الخاصة في العالم، إذ يبلغ حجم الأصول التي يديرها بنحو 2.6 ترليون دولار، ولكن مصارف أميركية أخرى دخلت مجال منافسته في أعقاب الحملة التي شنتها السلطات الأميركية على قانون السرية المصرفية بسويسرا واتهمت فيها بنوكها باستغلال القانون في إخفاء الثروات الأميركية من مصلحة الضرائب. من بين هذه المصارف “جي بي مورغان” و”ميلون” و”سيتي بانك” و”غولدمان ساكس”.
وعادة ما يستفيد كبار الأثرياء والبنوك من الأزمات المالية والاقتصادية في العالم. ويلاحظ خلال الأزمة الحالية التي خلقتها جائحة كورونا أن المصارف الأميركية كسبت ترليوني دولار سيولة من تدفقات أموال التحفيز التي دخلت في حساباتها المصرفية.
كما كسب المليارديرات في أميركا حوالى 282 مليار دولار من أسواق المال خلال فترة انهيار سوق وول ستريت بين مارس وإبريل. وخلال العقدين الماضيين لاحظ خبراء أن حجم الثروات الخاصة في العالم تضاعفت 3 مرات، كما أن عدد المليارديرات تضاعف كذلك في كل من آسيا وأميركا.
وخلافاً لأزمة المال العالمية في عام 2008 التي فاجأت أسواق المال بعد انهيار مصرف “ليمان براذرس”، بإفلاسات الشركات العقارية وانكشاف المصارف على السندات العقارية الفاسدة، فإن الخطوات التي اتخذتها الحكومات لإغلاق الاقتصادات الكبرى وتطبيق إجراءات العزل الاجتماعي كانت معروفة بالنسبة لكبار أصحاب المال ومدراء الشركات.
موسى مهدي – العربي الجديد