اتجهت أنظار قادة صناعة الطيران إلى قمة كبرى خارج لندن، حيث احْتِضَانُ أحد أكبر معارض القطاع في العالم، في الوقت الذي تعاني فيه الصناعة من تعطل سلاسل التوريد وتأخير تسليم الطلبيات والخطط المتعثرة لخفض الانبعاثات.
ويجسد معرض فارنبورو الدولي الذي انطلق امس الاثنين ويستمر لخمسة أيام، بمشاركة عمالقة الصناعة وشركات الطيران ورؤسائها التنفيذيين والعديد من الخبراء، فرصة لقياس مدى نجاح القطاع في تخطي العديد من التحديات والصعوبات.
ورغم العثرات، التي تعترض الصناعة، يبدو أن الحدث، الذي يعتبر في الكثير من الأحيان بمثابة مهرجان لطلبات شراء طائرات الركاب من بوينغ وأيرباص، سيحمل في طياته صفقات ضخمة تنسجم ونمو النقل الجوي رغم التشاؤم الذي يطغى على المعرض.
واستبعد العديد من المندوبين أن يولد المعرض موجة من الطلبيات، بينما تكافح أيرباص للوصول إلى أهداف الإنتاج، وتتبنى بوينغ موقفا هادئا وسط أزمة السلامة التي تعاني منها، طائرة 737 ماكس، لكنهم أكدوا أن بعض الصفقات ستتجاوز الحدود.
وقال جورج فيرغسون، المحلل لدى بلومبيرغ إنتليجنس “من المرجح أن تكون مبيعات الطائرات عريضة البدن هي محور التركيز في فارنبورو هذا العام”. وتسعى أيرباص في المعرض لمتابعة طلبيات شراء طائرتها أي 330 نيو، إذ تقدم الطراز عريض البدن كبديل جذاب للطائرات الأكثر تطورا لجدواه الاقتصادية وتوافره.
وتعد الطائرة نسخة أحدث من تلك التي دخلت الخدمة لأول مرة في منتصف التسعينات، ومن مشتريها المحتملين شركة طيران أديل السعودية، بالإضافة إلى شركة فيتجيت أفييشن الفيتنامية، بحسب مصادر مطلعة تحدثت لوكالة بلومبيرغ.
وقالت مصادر لرويترز إن “فيرجن أتلانتيك تقترب من تقديم طلب شراء إضافي لشراء طائرة أيرباص أي 330 نيو”، كما أن طيران ناس السعودية منخفضة التكلفة، تستعد لطلب ما يصل إلى 30 من نفس الطائرة ذات الجسم العريض.
ومن شأن طلبية كبيرة أن تدعم الطلب المتراكم على الطائرة أي 330 نيو، التي تتمتع بمحركات أكثر كفاءةً في استهلاك الوقود وجناح مُعاد تصميمه. وحققت الشركة الأوروبية نجاحا كبيرا العام الماضي مع الطائرة أي 350 الأكثر تطورا، وطائراتها الأخرى عريضة البدن، على الرغم من ندرة المتاح للمشترين الجدد.
وتقوم بوينغ كذلك بالترويج لطرازها 777 إكس، الذي تراجعت مبيعاته وسط تأخير شهادات الاعتماد، مما أرجأ دخول الطائرة إلى السوق خمس سنوات على الأقل من التاريخ الأصلي الذي كان مقررا.
وتوقعت مصادر رويترز أن تؤكد الخطوط اليابانية الطلبيات المبدئية الأخيرة، وترى بوينغ اهتماما بتأجير طائرتها 737 ماكس، بينما تجري الخطوط التركية مفاوضات لشراء طائرات بوينغ.
وفي ظل التعاقد على بيع أي 321 نيو حتى فترة طويلة من العقد المقبل، ومعاناة عملاقي الصناعة لزيادة الإنتاج، تدور المحادثات مع زبائن شركتي الطيران بخصوص سلاسل التوريد وتأخر تسليم الطائرات.
ومع ذلك، فإن المعرض التجاري السنوي، الذي يقام بالتناوب بين فارنبورو وباريس لايزال من المتوقع أن يتمخض عن مئات من طلبيات الطائرات التجارية في مزيج من الصفقات الجديدة والالتزامات والطلبيات المحجوزة بالفعل.
وذكرت رويترز في وقت سابق هذا الشهر أن بوينغ تقترب من بيع 24 طائرة من طراز 777 إكس لشركة الخطوط الجوية الكورية في صفقة تتراوح قيمتها بين 4 و6 مليارات دولار تقريبا ويمكن الانتهاء منها في المعرض.
وتجري أكبر شركة طيران في كوريا الجنوبية محادثات بشأن العودة المحتملة إلى موردها التقليدي لطائرات المسافات الطويلة منذ أشهر بعد تقديم طلب مفاجئ لشراء 33 طائرة من طراز أي 350 من أيرباص في مارس. وتبلغ قيمة طائرات 777 إكس حوالي 198 مليون دولار لكل منها بعد التخفيضات المعتادة، وفقا لأسعار التسليم من شركة سيريوم أسكيند.
وثمة صفقة كبيرة متوقعة في الأسابيع المقبلة لا تزال قيد التفاوض وقد لا تنجز في المعرض الجوي، حيث تستكشف الخطوط الجوية القطرية شراء ما يصل إلى 200 طائرة عريضة البدن، ستقسّم بين طائرتي بوينغ 777 إكس و787، وأيرباص أي 350.
وسيبحث رؤساء الصناعة على مدار أيام المعرض الخمسة أيضا عن أي علامة أخرى على الضعف في الطلب على السفر الجوي بعد حفنة من التحذيرات بشأن الأرباح من شركات الطيران.
ومن المتوقع أن تكون أرباح شركات الطيران في الربع الثاني أضعف على خلفية ارتفاع التكاليف وتدهور الأسعار، مع مخالفة رايان إير للتوقعات الاثنين. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ الطلبيات حيث تكافح شركات الطيران للتعافي.
وقال صحفي الطيران المخضرم مارك بيلينغ، الذي كان من المقرر أن يستضيف لجنة من الرؤساء التنفيذيين إن “السؤال الكبير لشركات الطيران هنا في فارنبورو هو ما الذي حدث لتأثير هالة الطلب بعد الوباء هل توقف هذا التعافي؟”.
ومع محدودية إبرام الصفقات، فمن المرجح أن ينصب التركيز على كيفية إزالة عوائق سلسلة التوريد وتسريع تسليم الطائرات لشركات الطيران المحبطة.
وتضرر الطيران بشدة من الوباء الذي أدى إلى انهيار السفر الجوي ثم انتعش بشكل حاد. وقد ترك ذلك العديد من الشركات تتدافع لحل مشكلة نقص العمالة وقطع الغيار. وتفاقم الوضع بسبب الأزمة المتصاعدة في بوينغ، التي اضطرت إلى إبطاء إنتاج طائرتها الأكثر مبيعا من طراز 737 ماكس.
وقالت ستيفاني بوب، رئيسة قسم الطائرات التجارية في بوينغ، في مؤتمر صحفي عشية انطلاق المعرض الأحد الماضي إن إنتاج 737 ماكس يتحسن وأن الشركة تمر “بتغيير تحويلي” عبر السلامة وثقافة الشركة. أما الرئيس التنفيذي لأيرباص جيوم فوري فأكد أن شركة صناعة الطائرات تحرز تقدما في زيادة إنتاج طائرات الركاب الفاخرة.
وتقوم شركات الطيران، التي تعتمد بشكل كبير على البرامج التي تمولها الحكومة، بتقييم الفترة السياسية المضطربة في الدول الغربية عن كثب، مع تشكيل حكومة عمالية جديدة في بريطانيا، وبرلمان منقسم في فرنسا، وانتخابات في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل. وقال فوري “نحن بالفعل في عالم يتغير طوال الوقت ومتقلب للغاية ولا يمكن التنبؤ به للغاية ويشكل تحديا كبيرا للصناعات”.