صناعة المراكب: مهنة نحو الإنقراض

ليس في عكار من يجيد صناعة مراكب الصيد والسياحة سوى الأخوين منذر وزياد الكسّار من بلدة ببنين. تلك البلدة التي يُعرف بأنّ معظم سكّانها يعملون في البحر ويمتهنون صيد السمك. ويمكن القول إنّ هذه الصناعة، قد تختفي بعدهما، ولطالما اشتهر بها لبنان منذ أيام الفينيقيين.

في وسط بلدة ببنين العكارية؛ وفي أحد أحيائها الداخلية، يسكن الأخوان الكسّار. يتجاوران في السكن كما في المهنة، ومصنعهما يقع خلف المنزل. يعكفان على إضفاء بعض التصليحات على جسم مركب مُتعب، يحنّان إلى أيامٍ خلت كانت فيه الصناعة في أوجها وكان في المصنع أكثر من 4 مراكب في نفس الوقت بين صيانة وصناعة جديدة. ينتظران بلهفة أي زبون جديد ولكنّ انتظارهما يطول كثيراً والفرج مؤجّل.

مع بداية الأزمة الإقتصادية في العام 2019 بدأت المهنة تتراجع إذ إنّ كلفة تصنيع مركب، والذي يحتاج ما يقارب الستة أشهر، كانت بحدود الـ 5 آلاف دولار وأسعار المواد الأولية من خشب وخلافه إلى جانب المازوت لتشغيل الآلات كانت رخيصة، والكهرباء كانت مؤمّنة… ولكن منذ ثلاث سنوات، تراجعت هذه الصناعة بشكل ملحوظ، فبعدما كان منذر وشقيقه يصنعان 4 إلى 5 مراكب في السنة الواحدة، ها هما اليوم وفي أحسن الأحوال يصنعان مركباً واحداً كل سنتين، بعدما لجأ الصيَّادون الى صيانة مراكبهم قدر الإمكان بدل تصنيع مراكب جديدة الأمر الذي انعكس تراجعاً كبيراً على المهنة.

يشرح زياد الكسّار عن المهنة الأحبّ إلى قلبه وكيف شاءت الصُدف أن يتعلّمها هو وشقيقه منذر وكيف دفعتهما الحاجة وقتها كبحّارة إليها، وكيف أصبحت جزءاً لا يتجزّأ من حياتهما وكيف أصبحا اليوم الوحيدين في كل عكّار اللذين يمتهنان هذه المهنة.

بالمقابل، يشير شقيقه منذر إلى أنّهما الوحيدان اللذان يمتلكان ترخيصاً لتصنيع المراكب، ويضيف: «لدي ولد واحد يعمل في المهنة لكنه لا يتوقع أن يخطو طريقه فيها نحو الإحتراف لأنها لم تعد تؤتي ثمارها، ولا يمكنها أن تصنع مستقبلًا لشابٍّ في بداية مشواره». ويضيف: «لطالما صنّعنا مراكب لكل المناطق من العريضة حتى الناقورة، وكل الناس تعرف منذر وزياد الكسّار كونهما الأشهر بهذه الصناعة ومن كانوا يعملون فيها في السابق كانوا يعترفون لنا بالريادة في هذه المهنة».

لا يرغب الأخوان الكسار بترك المهنة التي يحبّان، ولكن أمام الظروف الصعبة وانعدام العمل، يجدان نفسيهما مرغمين على ترك مهنة ينفردان بها ولكن ظروف البلد وعدم تشجيع الدولة لهما لم تترك في اليد حيلة.

مصدرنداء الوطن - مايز عبيد
المادة السابقةأزمة ديون عالمية تتّجه للإنفجار… انه الإنهيار المحتَّم!
المقالة القادمةالهيئة الناظمة: صامت “الطاقة”… وفطرت على مخالفة!