أبدى تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي» الصادر عن صندوق النقد الدولي، تفاؤلاً بأن الاقتصاد العالمي يسير في الاتجاه الصحيح مع تراجع معدلات التضخم، لكنه حذَّر في الوقت نفسه من مخاطر قد تواجه الاقتصادات العالمية مع تفاقم الحرب في أوكرانيا والارتفاعات غير المسبوقة في درجة الحرارة.
وأشار التقرير في توقعاته لمعدلات النمو العالمي، إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي من معدل 3.5 في المائة عام 2022 إلى 3 في المائة خلال عامي 2023 و2024، وهي معدلات بزيادة 0.2 في المائة عن توقعاته السابقة.
كما أشار إلى أن قيام المصارف المركزية برفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم أثّر سلباً في النشاط الاقتصادي، متوقعاً انخفاض التضخم من 8.7 في المائة عام 2022 إلى 6.8 في المائة خلال عام 2023، و5.2 في المائة خلال 2024.
وقال صندوق النقد الدولي إن مفتاح استمرار التضخم سيكون تطورات سوق العمل وديناميكيات الأجور والربح. ونصح بأن تواصل الاقتصادات العالمية سياسات خفض مستويات التضخم مع ضمان الاستقرار المالي واستقرار الأسعار وبناء هوامش أمان مالية.
ورأى أن توقعات النمو الحالية البالغة 3 في المائة لا تزال أقل مما تحقق قبل تفشي وباء «كوفيد – 19»، ففي الفترة من عام 2000 إلى عام 2019 بلغ متوسط النمو الاقتصادي العالمي السنوي 3.8 في المائة، وفقاً لصندوق النقد الدولي. وفي العام الماضي، نما الاقتصاد العالمي بنسبة 3.5 في المائة.
التضخم العدو الأول
وخفّض صندوق النقد الدولي توقعاته الاقتصادية بمقدار عُشر نقطة مئوية إلى 2.8 في المائة في أبريل (نيسان) الماضي، في أعقاب الاضطرابات في القطاع المصرفي وتزايد القلق بشأن التخلف عن سداد ديون الولايات المتحدة، مما تسبب في اضطراب الأسواق وتوقعات اقتصادية غير مستقرة.
وبحلول يوليو (تموز)، نَمَت التوقعات الاقتصادية بشكل أكثر إشراقاً: «لم تعد جائحة كوفيد تمثل أزمة صحية عالمية، وأصبحت سلاسل التوريد تتدفق بسلاسة أكبر، وظل النشاط الاقتصادي مستقراً وسط أسواق عمل قوية»، حسبما قال صندوق النقد الدولي.
وأضاف صندوق النقد الدولي، يوم الثلاثاء، أن حل أزمة سقف الديون والإجراءات السريعة من المنظمين لتهدئة الأزمات المصرفية في الولايات المتحدة وأوروبا ساعدا على الحد من مخاطر أزمة مالية أوسع، وحذر من أن «ميزان المخاطر على النمو العالمي لا يزال يميل إلى الاتجاه الهابط».
وأشار التقرير إلى مخاوف من أن تعافي الصين قد يتباطأ أكثر، حيث يؤثر قطاع العقارات المثقل بالديون على النمو. وهناك أيضاً قلق من أن «التجزئة الجغرافية الاقتصادية» -حيث يمكن للمثل الجيوسياسية أن تحوّل القوى الاقتصادية بعيداً عن العولمة ونحو نهج أكثر قومية وتقسيماً- يمكن أن يعطل التجارة، وتحركات الأموال والأفراد وأسعار السلع عبر الحدود. إلا أن خبراء الصندوق أشاروا إلى أن الأولوية الأساسية والتحدي الأساسي للاقتصادات هو النجاح في التغلب على التضخم.
ويبدو معدل التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة، عنيداً في أكثر الاقتصادات تطوراً. وقال صندوق النقد الدولي إن مفتاح مكافحة التضخم سيكون مدى تطورات سوق العمل وديناميكيات الأجور والربح.
وقال كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، بيير أوليفييه غورينشاس: «من الواضح أن المعركة ضد التضخم لم تنتهِ بعد».
مرونة ومخاطر
وقال خبراء الصندوق إن الاقتصاد العالمي أبدى مرونة أكثر من المتوقع، إلا أن المخاطر لا تزال قائمة. وقال غورينشاس: «أثبت النشاط الاقتصادي العالمي مرونته في الربع الأول من هذا العام، مما أدى إلى مراجعة صعودية متواضعة للنمو العالمي في عام 2023… لكنّ النمو العالمي لا يزال ضعيفاً بالمعايير التاريخية».
وأضاف: «هناك حاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز التعاون العالمي بشأن سياسات المناخ أو التجارة الدولية أو إعادة هيكلة الديون لمواجهة التحديات المشتركة».
وقال غورينشاس: «إن التضخم يمكن أن يظل مرتفعاً أو يرتفع، اعتماداً على مدى اشتداد الحرب الروسية في أوكرانيا أو الأحداث المتطرفة المتعلقة بالطقس، وقد يتطلب هذا مزيداً من التشديد في السياسة النقدية، وقد يؤدي إلى نوبة أخرى من تقلبات الأسواق المالية».
وأضاف: «ينبغي تشديد السياسة المالية لإعادة بناء الهوامش المالية الوقائية وتعزيز المصداقية العامة لاستراتيجيات الحد من التضخم، مع تكوين الضبط المالي الذي يضمن الدعم الموجّه إلى الفئات الأكثر ضعفاً». وشدد قائلاً: «نحتاج إلى أن تظل السياسة النقدية مقيدة حتى تظهر إشارات واضحة على تراجع التضخم الأساسي في الكثير من البلدان».
وأشار التقرير إلى أن المملكة العربية السعودية حققت نمواً بلغ 1.9 في المائة في عام 2023، وتوقع ارتفاعاً في النمو يصل إلى 2.8 في المائة في عام 2024.
كما توقع التقرير تراجع النمو في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطي من 5.4 في المائة عام 2022 إلى 2.5 في عام 2023 بانخفاض 0.4 في المائة.
نمو ضعيف في الاقتصادات المتقدمة
ولا تزال الاقتصادات المتقدمة تواجه عراقيل لتحقيق النمو. ووفقاً للتقرير، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 1.8 في المائة والمملكة المتحدة بنسبة 0.4 في المائة، حيث توقع تراجع النمو من 4.1 في المائة عام 2022 إلى 0.4 في المائة في عام 2023 ليرتفع إلى 1 في المائة في عام 2024، وأن ينكمش الاقتصاد الألماني بنسبة 0.3 في المائة في عام 2023.
وفي منطقة اليورو، يتوقع التقرير تراجع النمو من 3.5 في المائة عام 2022 إلى 0.9 في المائة في عام 2023 ثم يرتفع إلى 1.5 في المائة في عام 2024.
وفي اليابان، أشارت توقعات الصندوق إلى ارتفاع النمو من 1 في المائة عام 2022 إلى 1.4 في المائة عام 2023، ليتراجع النمو في عام 2024 إلى 1 في المائة. فيما رفع صندوق النقد الدولي توقعات النمو في الهند، وتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.1 في المائة عام 2023 بارتفاع بمقدار 0.2 نقطة مئوية مقارنةً مع توقعاته السابقة في أبريل (نيسان).
وتحتفظ الهند أيضاً بعلامة «الاقتصاد الأسرع نمواً»، إذ يُقدَّر أن تنمو الصين المجاورة بنسبة 5.2 في المائة في عام 2023، و4.5 في المائة في عام 2024.