سلطت الازمة اللبنانية الضوء على موضوع نقص الشفافية لدى صندوق النقد الدولي بالرغم من مطالبته المصارف المركزية بها. فقد اوردت الصحيفة السويسرية Le Temps في عددها الصادر في 6 تشرين الاول 2021 مقالاً عنونته «مصرف لبنان فرض رقابة على تقرير لصندوق النقد توقع الكارثة الحالية». وذكرت فيه ان ممثل الاخير الاسباني Alvaro Piris افتتح في 9 نيسان 2016 اجتماعاً مقرراً مع حاكم مصرف لبنان ومعاونيه بالقول: أنتم على حافة الهاوية!
واضافت الصحيفة ان رياض سلامة توصل الى شطب 14 صفحة من التقرير الاولي للصندوق الخاص بتقييم القطاع المالي المؤرخ نيسان 2016، والذي صدر لاحقا في الشهر الاول من عام 2017، بحجة ان النشر يقوض الاستقرار المالي. وقد تضمنت الصفحات المشطوبة اشارة الى أن هناك عجزاً صافياً لدى مصرف لبنان بـ4.7 مليارات دولار، وأن المصارف لا تملك السيولة اللازمة لمواجهة اية أزمة. وان هناك تشوهات في التسليفات اذ تبلغ تلك الممنوحة للقطاع العقاري 43% من الاجمالي، وان فحص الاجهاد يشير الى ان جميع المصارف ستشكو من خطر نقصان السيولة عند حصول ازمة. وخلصت الصحيفة الى ان المعلومات السابقة لو استبقيت ولم تحذف لكانت دفعت الجميع الى تغيير السلوك وجنبت البلاد الازمة التي سقطت فيها.
رد حاكم مصرف لبنان
رد حاكم مصرف لبنان أتى بعد يومين في بيان نفى فيه مزاعم الصحيفة السويسرية، مشيراً الى ان القواعد المعتمدة في اعداد وصياغة تقارير الصندوق تتضمن مناقشة فريق عمل الاخير مع الاطراف المعنية في لبنان قبل صياغة التقرير الاولي، وارساله الى المسؤولين في الدولة اللبنانية، وليس فقط الى مصرف لبنان لوضع ملاحظاتهم التي يمكن ان يؤخذ او لا يؤخذ بها. وبعدها يناقش التقرير النهائي ويوافق عليه من قبل مجلس ادارة صندوق النقد.
ردّ الصندوق
رد صندوق النقد في 28 تشرين الأول 2021، وقال احد مسؤوليه لرويتر: ان الصندوق طرح في التقريرتحذيراً مبكراً وحلولاً ممكنة لتقوية النظام المالي. وشدّد على ضرورة تقليص المخاطر الاقتصادية والمالية ومنها الاعتماد على تدفقات الودائع الجديدة لتغطية العجز المالي والخارجي الكبير. كما ذكر أنّ موارد كبيرة مطلوبة لضمان الحفاظ على ملاءة رؤوس أموال البنوك في حال حدوث صدمة حادّة. وفي ما خص اعلان صافي الاحتياطات، ذكر انه لا يشترط أن تعلن الدول ذلك، غير أنّ دولاً كثيرة تفعل هذا الامر. واحال سؤال امكانية قيام الصندوق بدور استباقي يضغط من أجل نشر رقم العجز في صافي الاحتياطيات الى «قواعد الشفافية الخاصة بالصندوق»، التي تنص على أنه يجوز لدولة ما أن تطلب حذف موادّ من تقرير اولي، إذا كان نشر هذه المواد يفضي الى انعكاسات سلبية لدى الاسواق.
6 تعليقات
1. ان تقرير الصندوق وضع في اطار برنامج Financial System Stability Assessment ومنطلقه تقديم الصندوق تقييماً معمقاً للقطاع المالي ومرونته مع»اختبارات ضغط». وهذا لن يستقيم اذا لم يتم ايضاح كافة الامور ذات الصلة، في مقدمها المواءمة الدقيقة والبديهية بين موجودات المصرف المركزي ومطلوباته بالعملات الاجنبية، خصوصاً ان البرنامج كان طوعياً ثم اصبح الزامياً حسب منهجية قرار المجلس التنفيذي للصندوق عام 2013.
2. ان الشفافية كما المحاسبة هما المقابل للاستقلالية المالية لمصرف لبنان المنصوص عنها في المادة 13 من قانون النقد والتسليف. وكتابات الاخصائيين في استقلالية المصرف المركزي بما فيه «قانون شفافية المصرف المركزي» الصادر في 2020 تؤكد وتدعو الى ذلك. لذا كان المطلوب من المعنيين في الصندوق الذين عملوا على وضع التقرير التقييمي لفت مصرف لبنان الى تقصيره بتحقيق موجب الشفافية في عرض وضعه الحقيقي بالعملات الاجنبية، وادراج هذا الامر في تقريرهم ضمن اطار برنامج FSSA، خصوصاً ان المادة 75 من قانون النقد والتسليف تتحدث عن حساب خاص يدعى «صندوق تثبيت القطع» ظهر في حسابات وميزانيات مصرف لبنان منذ انشائه، والغاه الحاكم سلامه بعد توليه الحاكمية في التسعينات ليعيده مؤخراً قبل عدة اشهر برصيد يبلغ عدة مليارات من الدولارات، دامجاً فيه نتائجه مع نتائج حساب آخر عائد للخزينة تنص عليه المادة 115 من قانون النقد والتسليف ومخصص لقيد الفروق بين ما يوازي موجودات المصرف من ذهب وعملات اجنبية بالسعر القانوني وبين السعر الفعلي لشراء او بيع هذه الموجودات وغيره.
3. ان قانون شفافية المصرف المركزي الصادر عن صندوق النقد يشير الى ضرورة قيام المركزي باجراء» توازن مناسب بين الشفافية والحاجة المشروعة للسرية « فيحجب ما يعتبر ضرورة مشروعة لبقائه سرياً.
وبالرجوع الى ورقة بحثية نشرها الدكتور توفيق كسبار في آب 2017 عن الازمة النقدية الآتية بالرغم من التهديدات التي تعرض لها لثنيه عن ذلك، يتبين ان وضع صافي احتياطي مصرف لبنان بالعملات الاجنبية كان سالباً للسنة الثانية بنهاية 2016. وهو امر اكدته ايضا الصفحات التي شطبت من التقرير الاولي لصندوق النقد. رد مصرف لبنان على تقرير كسبار فذكر ان ميزانية مصرف لبنان العمومية تتضمن تحت باب احتياطي بالعملات الاجنبية اصولاً سائلة، واذا اضيفت اليها الاصول الاخرى المتوسطة وطويلة الاجل التي يحوزها «فان صافي احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية يسجل رصيداً ايجابياً يؤمن تغطية كافية تضمن استقرار الليرة اللبنانية والاستقرار المالي عموما». امر اثبتت الوقائع عدم صحته عند اندلاع الازمة، اذ تبين العكس: وجود فجوة ضخمة بلغت 70 مليار دولار عام 2019 بفعل تدني الاصول عن الالتزامات، ما يحمل على الاعتقاد بان السرية التي اعتمدها مصرف لبنان في قيوده الحسابية كانت للتمويه عن الخسارة، وليس بمقتضى حاجة مشروعة لها، خصوصاً ان عام 2016 كان عام التسابق للانتخابات الرئاسية وكان الحاكم من بين الاسماء المتداولة، والاعلان عن اية فجوة في حسابات مصرف لبنان سيقضي كلياً على فرصته في السباق الرئاسي.
4. ان خبراء الصندوق ملزمون بتقديم تقريرهم التقييمي الاولي عام 2016 على نحو يعكس حقيقة وواقع الوضع المالي اي حقيقة ذهاب الامور الى الهاوية. فالصندوق هو المرجع الموثوق لقول الحقيقة. ان لم يفعل فلا يمكن ملامة الآخرين من بعده حسب قول تيموثي جايتنر وزير الخزانة الاميركي وحاكم الفيدرال ريزيرف – نيويورك.
بالمقابل هناك خطر حصول اعتراض من مصرف لبنان على نشر تقرير يتضمن اخفاقات واضحة تحت حجة الانعكاس السلبي الذي سيولده الامرعلى الاستقرار المالي الهش، وعندها سيكون امام الصندوق واحد من خيارين:
الاول، الاخذ باعتراض مصرف لبنان وشطب الامور التي يقترحها الاخير من التقرير قبل نشره. فنكون هنا امام تقرير غير شفاف وغير معبر عن الحقيقة قوضت فيه المصداقية.
الثاني، تمنع الصندوق عن الاذعان لطلبات الحاكم واتخاذه القرار بعدم نشر تقرير منقوص لا يحقق الغاية منه، وهذا الامر ستكون له ايضاً تداعياته، اذ سيتيقن العموم سريعاً حقيقة السبب الكامن وراء عدم النشر.
5. الذي حصل ان الصندوق اعتمد الخيار الاول فامتنع عن دق ناقوس الخطر مقدماً صورة مخادعة للعموم. لانه لو أتيحت لهم المعلومات الواردة بنسخة التقرير الاولى لعام 2016 لكان بالامكان تدارك الأزمة باكراً، والتخفيف من الخسائر التي تراكمت لاحقاً في ميزانيّات مصرف لبنان.
6. المعيب ان لا تحقيق فتح في لبنان للتحقق مما اذا كان الحاكم حقيقة هو المرجعية الصالحة ولوحده لرفض ما كان مدرجاً في التقرير الاولي. كما لم يحصل اي تحقيق لدى الصندوق بخصوص ما نسب الى الحاكم ونافذين معنيين في الصندوق من تدخل لتعديل التقرير الاولي وإخفاء التفاصيل التي تنبئ بالكارثة القادمة.
سوابق تسمح
جدير بالذكر ان الصندوق يحفظ في سجلاته العديد من التحقيقات الداخلية، منها التحقيق باتهام مديرته كريستالينا جورجيفا بالضغط عندما كانت ترأس البنك الدولي لتفضيل الصين في ترتيب تقرير «ممارسة أنشطة الأعمال». وايضاً التحقيق باتهام المدير العام السابق باقامة علاقة حميمة مع المسوؤلة السـابقة في دائرة افريقيا في صندوق النقد المجرية الأصل بيروسكا ناجي.
وقد وصلت الامور في بعض الاحيان الى اطلاق دعاوى قضائية مباشرة ضد الصندوق كما فعل الفرنسي Serge Berrebi حيث خاصم الاخير ومديره العام بتهمة التزوير واستخدام المزور والضغط على الحكومة الفرنسية لالغاء ديونها على الـ Congo وبالتالي الى ضمور فرص استرداد Berrebi لديونه على الـ Congo والمقدرة بـ 18 مليون يورو. وايضا دعوى اخرى اقامها باحثون مغاربة ضد الصندوق امام القضاء المغربي لتحريفه ونشره دراسة اعدوها معنونة Ruralstruc.ايضا تمت مخاصمة الصندوق بسبب تمويله مشروع منجم لم يبصر النور في الـ Cameron واختفاء قيمة القرض الممنوح للمشروع. قبول المحاكم في واشنطن وخارج الولايات المتحدة المخاصمات ضد صندوق النقد ومسؤوليه وموظفيه، يعني ان الحصانة من الملاحقة القانونية المنصوص عليها في الفقرة 8 من المادة 9 من اتفاقية تأسيس الصندوق في ما يتعلق بالاعمال التي يؤديها الأخيرون بصفتهم الرسمية، لم تعد تستقيم قطعاً بعد صدور قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 66/100 تاريخ 9 كانون الاول 2011 والذي اقر في المادتين 3 و31 منه بمسؤولية المنظمات الدولية عن الاضرار التي تلحقها بالآخرين، من جراء اعمالها غير المشروعة وبضرورة تعويضهم عن هذه الاضرار.
منحى قانوني يستطيع اللبنانيون والمودعون في المصارف اللبنانية التأسيس عليه لمخاصمة صندوق النقد، ومطالبته بالتعويض عن الاضرار التي لحقت بهم من جراء عدم دقه جرس التنبيه عالياً عام 2017 في تقريره عن التقييم المالي والاصرار على مصرف لبنان عن اعلان حقيقة وضعه المالي حسب ما تقتضيه احكام الشفافية وقواعد النشر تحت طائلة التهديد بعدم اعلان تقرير التقييم. (بتصرف)