بعد انخفاض الإيرادات الضريبية في لبنان بين عامي 2019 و2021 بمعدل يفوق النصف، على خلفیة أعمق أزمة اقتصادیة منذ نھایة الحرب الأھلیة، عمد صندوق النقد الدولي إلى رسم خريطة طريق لإعادة السياسة الضريبية إلى المسار الصحيح، داعياً إلى اتخاذ تدابير فورية وأخرى قريبة ومتوسطة المدى، في سبيل تصويب مسار السياسات الضريبية العشوائية في لبنان.
وأبرز ما دعا إليه الصندوق وضع قانون جدید لضریبة الدخل، یحل محل القانون القائم الذي أصبح غیر صالح للتطبیق.
ويرى الصندوق في تقريره الأخير، أنه ما لم تُتخذ الآن تدابير ضريبية نشطة، فمن المرجح أن یستمر انخفاض الإیرادات في 2022 و2023، مما یسفر عن تداعیات حادة تتسبب في تقویض تصاعدیة النظام الضریبي، وتفاقم عدم المساواة والتشوھات. كما يحدّد خیارات إصلاح السیاسة الضریبیة لوقف نزیف الإیرادات الآن وفي المدى القریب، والانتقال إلى نظام ضریبي أكثر كفاءة وفعالیة وشمولا في المدى المتوسط.
حزمة تدابیر
يدعو الصندوق إلى اتخاذ عدد من التدابير الفورية لتصويب السياسة الضريبية في لبنان، أهمها تصحیح التقییم الخاطئ، التصحیح لمراعاة التضخم المرتفع، وقف المعاملة التفضیلیة المفرطة فیما یتعلق بالضریبة على عائدات رأس المال، وإطلاق إمكانات الضرائب العقاریة.
وقد أوصى صندوق النقد باتخاذ تدابیر على المدى القصیر في سبيل إعادة بناء النظام الضریبي اللبناني كعملیة مستمرة. على أن تتركز الإصلاحات في العام 2023 على ما یلي:
إعادة ضریبة القیمة المضافة إلى ما كانت علیه من كفاءة كبیرة: كان استحداث الضریبة على القیمة المضافة في عام 2002 مثالاً حیاً على إمكانیة تحقیق نجاح كبیر في إصلاح النظام الضریبي اللبناني. وللنھوض إلى مستوى التحدیات الضریبیة الجاریة، ینبغي تعزیز تصمیم ضریبة القیمة المضافة عن طریق تدابیر على المدى القریب، لتقلیص الثغرات الحالیة في الامتثال وفي السیاسة.
وتشیر التقدیرات إلى أن اعتماد تدابیر معتدلة نسبیاً –من دون رفع معدل ضریبة القیمة المضافة– یمكن أن یحقق إیرادات إضافیة مقدارھا 1 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. ومن بین التوصیات المحددة لتوسیع قاعدة ضریبة القیمة المضافة، إلغاء الإعفاء المشوه الذي تحظى به مستلزمات الإنتاج في قطاعات محددة، وقصر استحقاقات رد الضریبة عموماً (قدر الإمكان) على مؤسسات الأعمال المسجلة في ضریبة القیمة المضافة، عن طریق إلغاء نظام رد الضریبة للسائحین، بین أمور اخرى.
استخدام رسوم الاستھلاك بصورة أفضل: رسوم الاستھلاك ھي طریقة كفؤة لتخفیض التلوث، حیث تحقق مزایا بیئیة ملموسة وإیرادات كبیرة، مع تأثیر محدود على الأسعار. ومن المقدر أن فرض رسم على استھلاك الدیزل یزداد من 0.10 دولار في 2023 إلى 0.25 دولار لليتر في 2025 یؤدي إلى زیادة الإیرادات بنسبة 1.5 في المئة إلى 3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
وفي حین أن الضریبة على الدیزل ھي الأولویة وینبغي تطبیقھا في الأجل القریب، فإن رسوم استھلاك البروبان والبوتان یمكن أیضاً إدخالھا في التشریع بصورة تدریجیة تلقائیا، من دون اشتراط الحصول على موافقة أخرى من البرلمان.
سد الثغرات وتحدیث ضریبة دخل الشركات: تماشیاً مع أفضل الممارسات الدولیة، ینبغي فرض ضریبة على أصحاب المھن الحرة في نظام الأرباح الحقیقیة، وباستخدام ضرائب الاقتطاع من المنبع على المدفوعات التي یتقاضوھا مقابل خدماتھم. وینبغي إلغاء النظم المطبقة على شركات الأوفشور والشركات القابضة (التي لم تعد تتماشى مع المعاییر الدولیة)، والحوافز المھدرة للموارد التي یتیحھا نظام الضریبة على دخل الشركات.
كما أوصى الصندوق في تقريره باتخاذ بعض التدابير على المدى المتوسط، وقال إنه ينبغي استكمال الإعداد لتدابیر المدى المتوسط في عام 2023، حتى یتسنى إدخالھا حیز التنفیذ في 2024/2025.
ولتحسین نظام ضریبة الدخل، یتعین وضع قانون جدید لضریبة الدخل یحل محل القانون القائم، الذي أصبح غیر صالح للتطبیق. وینبغي أن یسعى القانون الجدید إلى ضمان الحیاد الضریبي بین مصادر الدخل والأشكال القانونیة، وحمایة القاعدة الضریبیة بترسانة من القواعد الحدیثة لمكافحة التحایل الضریبي، والنص على حوافز ضریبیة قائمة على التكلفة تتسم بالكفاءة والفعالیة. وینبغي الاستمرار في صقل الضریبة على القیمة المضافة عن طریق إجراءات، من بینھا إلغاء الإعفاء الحالي على الدیزل، وتحسین تصمیم القواعد المطبقة على المعاملات العابرة للحدود.