من المعروف أن لبنان يعتمد بشكل كبير على العوائد النقدية من اللبنانيين المغتربين والوافدين العاملين في الخارج اضافة الى السياح العرب والاجانب، والتي تشكل مصدراً مهماً للعملة الصعبة. كما ويعوّل لبنان على الموسم السياحي الذي يساهم بإعادة تنشيط الدورة الاقتصادية. وقد شهدت الحركة السياحية في لبنان نشاطاً ملحوظاً خلال هذا الصيف الذي وصف بـ «الاستثنائي»، وكانت نسبة الإشغال ممتازة في معظم المنتجعات السياحية وأماكن الترفيه والمطاعم والفنادق وبيوت الضيافة لا سيما في المناطق التي اعتمدت على نفسها على صعيد الترويج والفعاليات الجاذبة. ولكن على مشارف نهاية الموسم، كيف قيّم المعنيون في القطاع هذا الموسم؟ وما هي التوقعات للمرحلة المقبلة؟
عبود: 1.5 مليون وافد
للسنة الثانية على التوالي، يمكن الجزم أن النتائج إيجابية على صعيد السياحة، خاصةً بعد التراجع الذي شهده هذا القطاع متأثراً بالأزمة الاقتصادية التي بدأت منذ 2019 وجائحة كورونا. وكان قد أكد رئيس نقابة أصحاب مكاتب السفر والسياحة جان عبود في بيان، مع بداية الموسم، أن «العام 2023 يشهد دفعاً إيجابياً كبيراً لناحية أعداد القادمين إلى لبنان، حيث تؤكد المؤشرات ان العام 2023 أفضل من العام 2022 على صعيد القطاع السياحي»، كاشفاً أن «التقديرات الأولية تؤكد قدوم أكثر من مليون ونصف مليون سائح خلال الصيف إلى لبنان، فيما استقبلنا العام الماضي زهاء مليون و200 ألف سائح». كما وأكد عبود أيضاً، في بيان يوم الخميس 17 آب، ان «شهر آب شكل شهر الذروة على المستوى السياحي، حيث سجلت الحركة السياحية خلال هذا الشهر ارتفاعاً كبيراً مقارنة مع آب 2022، وذلك كما توقعنا وذكرنا سابقاً». وقال: «على الرغم من بعض الأحداث الأمنية والخضات السياسية التي حصلت، بقيت الحركة بأوجها وزخمها»، مطمئناً الى ان الحركة السياحية» ستستمر بالزخم نفسه في النصف الثاني من آب الجاري». وتوقع ان «تكون حصيلة حركة الوصول الى مطار بيروت بين 630 الى 650 ألف راكب»، مشيراً الى ان «ما بين 35% و38% من حركة الوصول (أو الوافدين) هم من السياح العرب والأجانب».
الأشقر: مناطق استفادت أكثر من أخرى
«إن حصيلة هذا الموسم كانت إيجابية»، يقول رئيس إتحاد النقابات السياحية في لبنان ورئيس نقابة الفنادق بيار الأشقر، «ولكن بعض المواقع والمناطق استفادت أكثر من غيرها وتفاوتت المداخيل بين منطقة وأخرى وبين موقع وآخر، وهذا يعود للجهد الذي بذل من قبل العاملين في القطاع لإثبات موقعهم. فاللامركزية انطلقت عن طريق السياحة، حيث تقوم بعض المناطق مثل جزين وبرمانا واهدن والبترون وغيرها، في التسويق بمفردها للوجهة السياحية الجديدة. أضف إلى ذلك دخول مناطق جديدة إلى الخارطة السياحية مثل الضنية وبعلبك ومناطق في البقاع، ما يعني أنه أصبح هناك تعديل في السياحة في لبنان، عن طريق الانتشار الواسع للمؤسسات السياحية الصغيرة التي نشأت من جديد كبيوت الضيافة والـ Airbnb على كل الأراضي اللبنانية، الأمر الذي أدى إلى تنشيط الحركة السياحية في هذه المناطق التي تصنّف بالبعيدة وغير الموجودة على الخريطة السياحية. علما بأن اختيارات العائلات، وخاصةً الجيل الجديد، تميل إلى المغامرات والرياضة بدلاً من الجلوس في مطعم مع ملعب للأطفال».
مطاعم البترون من 153 إلى 215
وحذر الأشقر من «ارتفاع أعداد الـAirbnb، حيث أصبح عددها مقلقاً على جميع مراكز الإيواء في لبنان كونه لا يترتب عليهم دفع أي ضرائب ورسوم مثل الفنادق وبيوت الضيافة». ويشيرالأشقر إلى أن «هذا الموسم كان نسخة عن صيف 2022، ولكن مع تحسن في أعداد الوافدين إلى لبنان. فإلى جانب زيادة الأعداد، كانت هناك زيادة في الاستثمارات في هذا القطاع، من بيوت ضيافة ومقاهٍ ومطاعم وملاهٍ، فعلى سبيل المثال ارتفع عدد المطاعم في البترون من 153 مطعماً إلى 215 مطعماً مقارنةً بسنة 2022، ما يتطلب عدداً اضافياً من الزبائن، الامر الذي يؤدي إلى زيادة المضاربة.
إشغال الفنادق:50-100%
أما بالنسبة لنسبة الاشغال في الفنادق، فهي تقسم إلى قسمين: الأول يجمع أيام منتصف الأسبوع (مساء الأحد، الاثنين، الثلاثاء والأربعاء) حيث تكون نسبة الاشغال في معظم الفنادق تحت الـ50 بالمئة، أما القسم الثاني والذي يشمل عطلة نهاية الاسبوع (خميس، جمعة وسبت) فترتفع نسبة الاشغال في الفنادق إلى أكثر من 70 بالمئة وصولاً إلى 100 بالمئة في بعض الأحيان، وهذا يعود لحجم الفندق وعدد غرفه».
الرامي: 3 عوامل عززت الصمود
وبدوره يشير نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان طوني الرامي إلى ان «هذا الموسم لا يحمل معه إلا كل الإيجابيات، على صعيد الوافدين من جهة وازدهار حجم سوق المطاعم والمقاهي من جهة أخرى». ويشرح الرامي الأسباب التي أدت إلى ازدهار حجم هذا القطاع رغم الأزمة الخانقة، «هي مرحلة عنوانها ثلاث ركائز:
– حسن إدارة الازمة: حيث تمكن القطاع من تجاوزها رغم التحديات.
– إثبات وجود: فالقطاع السياحي سيبقى صامداً في لبنان.
– عزيمة أصحاب المطاعم والمقاهي على الوجود حيث تفرّعوا في جميع المناطق اللبنانية وقدموا عدة خدمات بمستويات مرتفعة.
25 الف وظيفة جديدة
وأضف إلى ذلك خلق 25 ألف وظيفة في القطاع المطعمي وتحسين رواتب العاملين فيه». أما عن توقعات المرحلة المقبلة، فيرى الرامي «أنه كان التعويل على هذا الموسم كجرعة أوكسيجين كي نتمكن من الصمود على مدار السنة المقبلة، ولكن نتأمل بأن يصبح هناك استقرار أمني وسياسي واقتصادي كي نتمكن من الوصول إلى السياحة المستدامة. فاليوم وفور انتهاء الموسم، سيتراجع عمل القطاع السياحي في لبنان بظل الظروف الراهنة.»
عرموني: الموسم استفاد من استقرار سعر الصرف
ويشير المدير العام لفندق ريجنسي بالاس وليد عرموني إلى «الانجاز الذي سجله القطاع السياحي بالرغم من أزمة كورونا والأزمة الاقتصادية في لبنان، وهذا يعود إلى التأقلم السريع للقطاع مع الوضع المالي القائم، وقدرته على الصمود رغم التغيرات. وما يميّز هذا الموسم عن قبله هو استقرار سعر صرف الدولار إلى حدٍ ما في فترة الصيف، أضف إلى ذلك انتظام الاستيراد من الخارج وعدم وجود أي عراقيل أو نقص في بعض السلع. ولكن لا يمكن التعويل على موسم الصيف كونه قصيراً، وخاصة على صعيد قطاع الفنادق، فهناك فورة في قطاع المطاعم والمقاهي والملاهي، أما الاستثمارات في قطاع الفنادق فكانت شبه معدومة نظراً لكلفتها العالية. ونحن في لبنان في مرحلة البقاء والاستمرارية، والتوجه نحو مرحلة أفضل لن تحصل في ظل الفراغ الرئاسي وتفكك قطاعات الدولة كلها».
بيروتي: الدولرة كانت عاملاً ايجابياً
يوضخ الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية في لبنان جان بيروتي أن «تراجع الموسم الصيفي في لبنان يبدأ من منتصف آب، أما في الفنادق فيمكن أن يستمر الموسم حتى نهاية تشرين الثاني». وقارن بيروتي هذا الموسم بالسنة الماضية وقال «الموسم كان جيّداً مع فرق في المصاريف حيث أن الأجور تضاعفت هذه السنة مقارنة مع السنة الماضية». ولفت بيروتي إلى «ارتفاع القدرة الشرائية لدى معظم الشعب اللبناني الذي بات يتقاضى راتبه أو قسماً من راتبه بالدولار، الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي على القطاع السياحي حتى بعد انتهاء موسم الصيف وعودة المغتربين الى بلدان عملهم واقاماتهم، بشرط أن يبقى الوضع مستقرا وأن لا يقوم المعنيون بخطوات سلبية تجاه أي موضوع» كما وسلّط الضوء على «أهمية المرحلة التي نمر بها، لجهة إدخال الدولار بشكل مباشر إلى عامة الشعب من أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والفنادق وأصحاب السوبرماركت وسيارات الاجرة وتقاضي معظم الشعب اللبناني قسماً من رواتبهم بالدولار، فهذا يؤدى إلى انخفاض الطلب على الدولار في السوق، وبالتالي استقرار سعر الدولار خلال الموسم». وشدد على «أهمية إعادة الثقة بالقطاع المصرفي كي يتمكن من توظيف دولارات المغتربين وإعادة ضخها في شرايين الإقتصاد، وكذلك إعادة أموال المودعين تدريجياً، ومن ثم يمكننا العودة لإستعمال الليرة اللبنانية بدلاً من الدولار. فمنذ بدء الأزمة لتاريخ اليوم لم يؤخذ أي قرار اقتصادي لمصلحة انهاض البلد، وعلى السياسيين في لبنان أن يستعينوا بخبرات المختصين في الشأن الإقتصادي على أرض الواقع قبل أي تشريع وأي تنظيم».
لقد ساهم القطاع السياحي بشكلٍ كبيرٍ في تعزيز الاقتصاد هذا الموسم، وفي استقرار سعر الصرف خلال هذه الفترة. ولكن لن تتم الإستفادة من الدولارات التي دخلت السوق خلال موسم الصيف بشكل إيجابي، أي لن تدخل في الدورة الإقتصادية على شكل استثمارات ومدخرات، إنما تذهب فقط على الاستهلاك. لذلك لا يجوز التعويل على موسم الصيف وحده وموسمياً بل نحتاج الى خطة اقتصادية ومالية ومصرفية مستدامة الاثر الايجابي.