صُنّاع الطيران يشكِّلون من السعودية رؤية مبتكرة لنقلٍ جويٍّ مستدام

شكَّل مؤتمر «مستقبل الطيران 2024»، الذي انطلقت أعماله، امس الاثنين، في العاصمة السعودية الرياض، رؤية مبتكرة لنقل جويٍّ دوليٍّ مستدام، حيث جرى خلاله تأكيد أهمية الاستدامة والابتكار والتقنية، وتوسيع فرص الأعمال، والقدرات البشرية لدعم مستقبل الصناعة في المرحلة المقبلة.

وبرعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، افتتح وزير النقل والخدمات اللوجيستية رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للطيران المدني المهندس صالح الجاسر، فعاليات المؤتمر الذي تنظمه الهيئة العامة للطيران المدني، على مدى ثلاثة أيام، بحضور أكثر من 30 وزيراً و77 من قادة سلطات الطيران المدني ورؤساء شركات النقل الجوي في العالم و5 آلاف من خبراء وقيادات صناعة الطيران من أكثر من 120 دولة.

وقال الجاسر إن المملكة بفضل حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، تشهد نهضة كبرى وغير مسبوقة في مختلف المجالات، وفرصاً واعدة للمستثمرين من القطاع الخاص المحلي والعالمي في قطاع الطيران والنقل الجوي.

وأضاف أن هذا المؤتمر في نسخته الثالثة وما يتضمنه من فعاليات واتفاقيات وصفقات، يجسِّد التزام المملكة بدعم صناعة الطيران العالمي، وتعزيز الجهود لمواجهة التحديات الجديدة في المنظومة.

واستعرض الجاسر أبرز المنجزات التي شهدها قطاع الطيران المدني بالمملكة خلال العامين الماضيين، والمرتكزة على مستهدفات استراتيجية الطيران المنبثقة من الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجيستية، ومنها وصول المملكة إلى المركز الـ13 عالمياً وفق مؤشر الربط الجوي الدولي، وتحقيق رقم قياسي بلغ 112 مليون مسافر في عام 2023، بزيادة 26 في المائة عن عام 2022، متجاوزاً مستويات ما قبل الجائحة، والإعلان عن السياسة الاقتصادية للقطاع واعتماد اللوائح الاقتصادية الجديدة للمطارات والخدمات الأرضية والشحن الجوي وخدمات النقل الجوي.

وتطرق أيضاً إلى إعلان تأسيس شركة «طيران الرياض»، المملوكة بالكامل لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، التي يُتوقع أن تبدأ رحلاتها العام المقبل، وربط الرياض بأكثر من 100 وجهة عالمية، إضافةً إلى إطلاق المخطط الرئيسي لمطار الملك سلمان الدولي في العاصمة ليستوعب 100 مليون مسافر بحلول 2030 وغيرها من المنجزات الوطنية في هذا القطاع الحيوي.

تطوير التشريعات
وفي مؤتمر صحافي خاص على هامش المؤتمر، كشف وزير النقل والخدمات اللوجيستية عن وجود تحديثات وتطوير في الجانب التشريعي لنظام الطيران المدني من لوائح اقتصادية، وخدمات العملاء، وإدارة المجال الجوي، وغيرها، والتي تتم بالتنسيق مع الجهات المختصة كافة، سواء الخدمية في المطارات ومجال التموين والصيانة والخدمات الأمنية.

وتقوم المملكة بالاستثمار الكبير في مشاريع الاقتصاد الأخضر من خلال مبادرات مثل «السعودية الخضراء»، ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وأن بلاده تعمل كذلك على تطوير مصادر الطاقة المستدامة مثل الهيدروجين والطاقة الشمسية.

وحسب الجاسر، فإن تطوير التشريعات يهدف إلى تحقيق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية لقطاع الطيران المدني، بالوصول إلى أكثر من 300 مليون راكب و250 جهة، إلى جانب مستهدفات عدد من الاستراتيجيات الأخرى بما فيها السياحة، والحج والعمرة.

وتحدث عن تحركات بلاده لبناء وتوسعة كثير من المطارات، ومنها مطار الملك سلمان الدولي في الرياض الذي سيكون أحد أكبر المطارات في العالم وستصل طاقته في عام 2030 إلى 100 مليون راكب، وكذلك مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة، ومطار «البحر الأحمر الدولي» -الذي افتُتح مؤخراً- ومطار «نيوم الدولي الجديد».

منظمة الطيران المدني الدولي
من جانبه، أكد رئيس منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) سلفادوري شاكيتانو، في كلمته، الدور الكبير لقطاع الطيران والنقل الجوي في العالم لدعم النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة. واستطرد: «المملكة توجه رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي للطيران بأنها تركز على المستقبل وتعزيز مستوى الربط العالمي، وهو ما سيكون محور نقاشاتنا في الأيام التالية، إضافةً إلى تنفيذ سياسات الطيران لتبني روح التعاون والشراكات فيما بيننا، وتطوير المهارات والقدرات وأيضاً الالتزام بالاستدامة والاستفادة من التقنيات».

القطاع السياحي
وذكر وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب، أن أكثر من 330 مليون شخص يوظِّفهم قطاع السياحة عالمياً، بما يعادل 1 من كل 10 من القوة العاملة في العالم، متوقعاً أن تسهم السياحة بنحو 3.3 تريليون دولار هذا العام بعد التعافي من جائحة كورونا.

وأضاف في كلمة وزارية بعنوان: «تعزيز الأنشطة السياحية عن طريق استكشاف الوجهات الجديدة وتبادل الثقافات في الحاضر والمستقبل»، أن الهدف الأساسي من السياحة والطيران، هو جمع الناس معاً والتشجيع على تبادل الأفكار، وتبادل الخبرات الثقافية، وإيجاد بيئات تسمح للأعمال التجارية بالازدهار.

ولفت إلى أن المملكة أخذت بعين الاعتبار هذه الأفكار لعقود من الزمان كونها موطناً للحرمين الشريفين. كما أنها تبعد نحو 8 ساعات من الطيران عن 60 في المائة من مختلف مناطق العالم، وستكون مركزاً عالمياً للطيران، في ظل ما تتمتع به من مناطق ثقافية وسياحية وأثرية متنوعة، مؤكداً أن المملكة أرض يمكن للجميع الاستمتاع بها.

وأكمل أن قطاعي السياحة والطيران أصبحا أكثر قوة من أي وقت مضى في التاريخ، حيث شهد عام 2023، قيادة المملكة منطقة الشرق الأوسط لتخطي مستويات السياحة ما قبل الجائحة، والوصول إلى مستوى نمو بلغ 122 في المائة.

وأشار إلى أن هناك الكثير من العناصر التي ساعدت على تحقيق هذا النمو خصوصاً فيما يتعلق بتفضيلات المسافرين لعقد رحلات قصيرة والوصول إلى وجهات جديدة، قائلاً: «المملكة أخذت على عاتقها كثيراً من المبادرات لتسهيل الوصول إليها، منها على سبيل المثال نظام الفيزا الإلكترونية الحديث، الذي لعب دوراً أساسياً في هذا النجاح، ممكِّناً المسافرين من 66 دولة، بما يمثل 80 في المائة من سوق السياحة العالمية، من النظر والاستمتاع بمختلف المناطق السعودية».

وطبقاً للخطيب، فإن المملكة تقود جهوداً كبرى لتحسين السياحة المحلية من خلال التعاون مع دول الخليج، وإحدى المبادرات الرئيسية هي التأشيرة الموحدة لمنطقة الخليج، وهي شبيهة بفيزا الشنغن لمنطقة أوروبا، مما يسمح للمسافرين بالاستمتاع بـ30 يوماً متواصلة في مختلف مناطق بلدان المجلس.

هذا التنامي المستمر في القطاع، وفق الوزير، ساعد على إعادة النظر في أهداف المملكة؛ إذ تحققت بالفعل أهداف استقبال 100 مليون زائر العام الماضي، قبل 7 أعوام مما كان مخططاً له، وتمت زيادة الهدف إلى 150 مليون زائر بحلول 2030، يشمل أكثر من 70 مليون سائح دولي.

وأفصح عن جاهزية القطاع ليكون محركاً قوياً للاقتصاد بالإسهام بـ10 في المائة بالناتج المحلي الإجمالي وتحقيق 1.6 مليون من الوظائف، وأن السياحة الدينية تمثل بدورها أولوية في البلاد، مع وجود مخططات لمضاعفة أعداد المعتمرين.

ولفت الخطيب إلى أن هذه الزيادة الملحوظة على الطلب في المملكة والخليج تتطلب خطوطاً جوية إضافية، وأن الهيئة العامة للطيران المدني والمنسقين ووكالات السفر والمستثمرين والمطارات وخطوط الطيران وأيضاً برنامج تجربة السياح ومشغلي الرحلات السياحية، يعملون صوب تحقيق نظام متكامل مستدام لتواصل خطوط الملاحة الجوية.

خصخصة المطارات
بدوره، أشار رئيس الهيئة العامة للطيران المدني عبد العزيز الدعيلج، في أولى جلسات المؤتمر إلى أهمية الحدث الذي يعد الأكبر في قطاع الطيران والنقل الجوي في العالم، مستعرضاً في كلمته التحديات والتحولات الكبيرة التي يشهدها قطاع الطيران والنقل الجوي على مستوى العالم، والإنجازات المتحققة ومعدلات النمو في معدلات الركاب والرحلات والشحن الجوي في قطاع الطيران المدني السعودي ودور استراتيجية الطيران في دعم النمو المستدام.

وأبان الدعيلج أن السعودية تمضي قدماً في مشاريع خصخصة المطارات، كاشفاً تلقي الحكومة طلبات لأكثر من 100 شركة دولية ومشغلي مطارات ومقاولين ومستثمرين للاستثمار في مشاريع التخصيص، مما يعكس قوة الاقتصاد السعودي واستراتيجية الطيران في البلاد.

وتابع أن العام الماضي كان استثنائياً للمملكة ببلوغها 112 مليون مسافر مقارنةً بـ88 مليوناً في 2022 بزيادة 27 في المائة، بالإضافة إلى ارتفاع في عدد المسافرين خلال الربع الأول من العام الحالي بما نسبته 20 في المائة، إلى جانب الوصول إلى 148 من الوجهات الدولية المباشرة للمملكة بارتفاع قدره 47 في المائة عن 2022.

«بوينغ»

من ناحيته، سلَّط رئيس «بوينغ» العالمية في الولايات المتحدة الدكتور بريندان نيلسون، الضوء على رحلة الشركة نحو استعادة الثقة في صناعة الطيران، ومن خلال التركيز على العمل، والمساءلة والاستدامة، موضحاً الإجراءات الاستباقية التي اتخذتها لمعالجة الانتكاسات السابقة وتشكيل مستقبل مسؤول للصناعة.

وبيّن أن مستويات السياحة في منطقة الشرق الأوسط وفي مقدمتها السعودية خلال العام المنصرم، شهدت نمواً ملحوظاً بنسبة 22 في المائة قياساً بعام 2019.

صفقة «الخطوط السعودية»
وقد شهدت فعاليات اليوم الأول للمؤتمر، إعلان شركة الخطوط السعودية واحدة من كبرى صفقات شراء الطائرات في العالم، بشراء 105 طائرات من شركة «إيرباص» من طراز A320neo وA321neo بهدف توسيع وتحديث أسطولها وتعزيز الربط الجوي مع دول العالم.

ووقع الصفقة كلٌّ من مدير عام مجموعة السعودية المهندس إبراهيم العُمر، ونائب الرئيس التنفيذي لمبيعات الطائرات التجارية بشركة «إيرباص» بينوا دي سانت إكزوبيري، إذ يبلغ نصيب «السعودية» 54 طائرة من طراز A321neo، بينما يتسلم «طيران أديل» 12 طائرة من طراز A320neo، و39 طائرة من طراز A321neo.

وأفاد إبراهيم العُمر بأن طموحات «السعودية» التشغيلية متمثلة في تلبية الطلب المرتفع بزيادة أعداد الرحلات والسعة المقعدية على وجهاتها الحالية التي تبلغ أكثر من 100 وجهة في أربع قارات، علاوة على الخطط التوسعية لإضافة مزيد من المحطات لشبكة وجهاتها، مؤكداً أن مشاريع «رؤية 2030» أخذت مساراً مهماً في الإنجاز وتستقطب عاماً بعد الآخر مزيداً من المشاركين والسياح وروّاد الأعمال وضيوف الرحمن.

بينما قال دي سان إكزوبيري، إن الاتفاقية تسهم في دعم استراتيجية مجموعة السعودية الرامية إلى الارتقاء بإمكانات قطاع الطيران بالمملكة، وذلك من خلال تزويد شركتي الطيران التابعتين لها بطائرات من عائلة A320neo، التي تتميز بكفاءتها العالية وفاعليتها الاقتصادية. كما توفر للمسافرين مستويات عالية من الراحة، مع تقليل استهلاك الوقود والحد من الانبعاثات.

وحسب المعلومات الصادرة من «إيرباص» عملاق صناعة الطيران الأوروبي، فإن السعودية تعمل على توفير فرص استثنائية لقطاع الطيران العالمي من خلال الاستراتيجية الوطنية للسياحة في المملكة، والتي تهدف إلى استقطاب أكثر من 150 مليون سائح بحلول عام 2030، مشيرةً إلى أن الصفقة مع شركة «إيرباص» تلعب دوراً أساسياً في دعم مساعي البلاد لترسيخ مكانتها بوصفها واحدة من أهم الوجهات السياحية على مستوى العالم.

وأضافت أن دمج الجيل الجديد من المحركات وأجنحة «شاركلتس» ضمن طائرة A321neo يسهم في خفض الضوضاء بنسبة 50 في المائة، والحد من استهلاك الوقود وخفض انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون بأكثر من 20 في المائة، مقارنةً بالطائرات ذات الممر الواحد من الجيل السابق، فضلاً عن تقديم أعلى مستويات الراحة للمسافرين ضمن أوسع مقصورة طائرة ذات ممر واحد في العالم.

وتتمتع طائرات A320 بقدرة على العمل باستخدام 50 في المائة من وقود الطيران المستدام. وتهدف شركة «إيرباص» إلى تطوير جميع طائراتها لتصبح قادرة على العمل بشكل كامل على وقود الطيران المستدام بحلول عام 2030.

ومن المقرر أن يستعرض الحدث الفرص الاستثمارية في القطاع بالمملكة التي تبلغ قيمتها 100 مليار دولار. كما يُتوقَّع أن يشهد توقيع أكثر من 70 اتفاقية وصفقة بقيمة إجمالية تبلغ 12 مليار دولار، مع الإعلان عن عدد من الاتفاقيات لكبرى الشركات العالمية على مدار أيام المؤتمر.

مصدرالشرق الأوسط
المادة السابقةالصيدليات تعاني نقصاً في الأدوية بسبب وضع الطرقات
المقالة القادمةالأسواق محبطة من «تدابير الصين التاريخية» لدعم القطاع العقاري