بعد 4 سنوات من تطبيق سياسة الدعم بالتعاون بين الحكومة ومصرف لبنان، وبعد هدر أكثر من 10 مليارات دولار من احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، أي من أموال المودعين، لصالح التهريب والتجار والسياسيين والمحظيين، أقرّ مجلس النواب ضمن موازنة 2024، فرض ضريبة استثنائية بنسبة 10% على كلّ من استفاد من دعم يفوق 10 آلاف دولار أمّنه مصرف لبنان للمؤسسات والتجار بمن فيهم شركات النفط.
كما وأنه بعد حوالى عامين ونصف على إطلاق منصة صيرفة التي استمرّت عامين و3 أشهر، أقرّ مجلس النواب أيضاً فرض غرامات استثنائية بنسبة 17% على كلّ من حقّق أرباحاً واستفاد من منصة صيرفة من مؤسسات وشركات وتجار وليس من الأفراد والموظفين.
وبالتالي، فإن ذلك سواء على الدعم أم على صيرفة هو ضرائب بمفعول رجعي تستوجب «نبش» بيانات مصرف لبنان والمصارف من أجل تحديد كلّ من استفاد وإجراء غربلة وفقاً للمعايير المطلوبة. وهو الأمر الذي سيعيد المودعين بالذاكرة الى فترة انتظار الإعلان عن أسماء من هرّب أمواله الى الخارج بشكل انتقائي عند اندلاع الأزمة المصرفية في تشرين 2019 وفرض المصارف قيوداً غير رسمية على التحويلات.
إعتراضات
خلال طرح اقتراح فرض ضريبة على أرباح الدعم وأرباح صيرفة في جلسة مجلس النواب، كان هناك اعتراض من نوّاب على أنه لا يمكن تطبيق تلك الضريبة، حيث اعتبر البعض، وفقاً لسياسة رمي المسؤوليات، أنه بدلاً من «محاسبة الناس على التزامهم بتعميم صادر عن مصرف لبنان، يجب محاسبة من أصدر هذا التعميم»، إلا أن إصرار تكتل اللقاء الديموقراطي على هذا الاقتراح، أدّى الى إقراره كعربون «حسن نيّة» من البرلمان!
ولكن هل إن داتا المعلومات حول من استفاد من صيرفة والدعم قائمة؟ وهل سيكشف مصرف لبنان عنها؟ وإذا كشف عنها وذلك سهل، كيف ستتصرّف وزارة المالية؟ ومن سيضمن عدم إخفاء أو التستّر عن بعض الأسماء والصفقات والسمسرات الكبيرة التي حصلت بالتعاون مع مصرفيين؟ وبالتالي ما هي الصعوبات التي قد تعيق أو تحول دون إمكانية تطبيق تلك الغرامات؟
أبو حيدر: القوائم واللوائح والأسماء موجودة
في هذا الإطار، أوضح مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة محمد أبو حيدر لـ»نداء الوطن» أن هناك لائحة بأسماء الشركات التي استفادت من الدعم قد تم إرسالها الى وزارة المالية خلال تولّي الوزير غازي وزني الوزارة، «وبالتالي المطلوب اليوم تفعيل عملية جباية الضرائب من قبل وزارة المال والتدقيق في حسابات تلك الشركات التي استفادت من الدعم». وفيما أشار الى أن وزارة الاقتصاد تملك فقط أسماء الشركات التي تقدّمت بطلب للحصول على دعم من مصرف لبنان لأنها تمنح فقط حق الاستفادة من الدعم، قال إن حجم الدعم الذي حصلت عليه كلّ شركة مسجّل ضمن بيانات مصرف لبنان التي تحدّد من حصل فعلاً على الدعم، ضمن اللائحة المرسلة من قبل وزارة الاقتصاد.
إجراء التدقيق
وذكر أبو حيدر أن المطلوب أوّلاً من وزارة المال أن تقوم بالتدقيق في حسابات تلك الشركات وبحجم الأرباح التي حقّقتها خلال فترة حصولها على الدعم، مقارنة مع الأرقام التي صرّحت عنها والضرائب التي سدّدتها خلال تلك الفترة على أرباحها، لافتاً الى أن التدقيق في حجم الأرباح المصرّح عنها في فترة الدعم أمر بسيط يستوجب مقارنة حجم أعمال تلك الشركات ما قبل الدعم وخلاله للتأكد من عدم وجود تهرّب ضريبي.
وبالإضافة الى التدقيق في مستوى دخل الشركات، أشار الى ضرورة التدقيق أيضاً في عدد الموظفين ما قبل الدعم وبعده، ومدى التزام تلك الشركات بتسديد الضرائب على الأرباح وفقاً لما حصّلته من دعم من قبل مصرف لبنان، وذلك للتأكد من عدم وجود تهرّب ضريبي ولتحديد الحجم الفعلي للأرباح المحقّقة خلال فترة الدعم.
كما أكد أن وزارة المال تستطيع الحصول على حجم المبالغ المالية التي حصلت عليها الشركات كدعم من مصرف لبنان، لمقاربتها مع حجم أعمالها وأرباحها وتصريحاتها الضريبية. معتبراً انه من واجب مصرف لبنان الكشف عن أسماء الشركات المستفيدة من الدعم، نظراً الى أن كلّ من استفاد، سبق وتمّ رفع السرية المصرفية عنه. لتصبح مسؤولية وزارة المال تعقّب تلك الشركات والتدقيق في حساباتها وأرقام أعمالها لمقاربتها مع تصريحاتها الضريبية.
تسطير محاضر
أما بالنسبة للشركات التي استفادت من صيرفة وحقّقت أرباحاً طائلة، أوضح أبو حيدر أن حصول وزارة المالية على أسماء تلك المؤسسات منوط فقط بمصرف لبنان الذي يملك بيانات عن كافة العمليات التي قامت بها المصارف على منصة صيرفة لصالح الشركات والتجار، مع الإشارة الى أن وزارة الاقتصاد سبق وسطّرت العديد من المحاضر بحقّ شركات استفادت من صيرفة واستمرّت بالتسعير وفقاً لسعر الصرف في السوق السوداء، ما يعني أن هناك شركات صادرة بحقها محاضر تؤكد على استفادتها وتحقيقها الأرباح من صيرفة!
تسوية في النهاية
وفيما أكد أبو حيدر أنه لا توجد صعوبات مطلقاً في تحديد الشركات التي استفادت من الدعم أو من صيرفة، «فهو أمر يقع على مسؤولية وزارة المالية»، تبقى العبرة في وجود نيّة للتطبيق والجباية الصحيحة، خصوصاً أن عمليات التدقيق التي تقوم بها فرق مصلحة الضرائب التابعة لوزارة المالية، غالباً ما تنتهي بتسوية بين صاحب العمل و»موظف المالية»!
راجي السعد: هناك صعوبة في التطبيق… وثمة حاجة لآلية واضحة
من جهته، أوضح عضو تكتل اللقاء الديموقراطي النائب راجي السعد لـ»نداء الوطن» أن هناك صعوبة في تطبيق الضريبتين الاستثنائيتين، معتبراً أن هناك حاجة لتوضيح آلية التطبيق لضمان فعالية فرض تلك الضرائب، إن كان عبر تقدير أرقام الإيرادات المتأتية من ضريبة الدعم وصيرفة، وكيفية مساهمة تلك الإيرادات في استرجاع أموال المودعين. مشيراً الى أن وزارة المالية وفقاً للصيغة التي أقرّت بها الضريبتين ستعجز عن تطبيقهما.
زايدوا علينا
ولفت السعد الى «حصول مزايدات حول اقتراحنا خلال الجلسة كونه لم يناقَش في لجنة المال والموازنة سابقاً، ما جعل النواب يتّجهون الى تأييده بغرض المزايدة وإبداء حسن النيّة عبر طرح اقتراحات برفع نسبة الضريبة من 7 الى 10 وحتّى الى 20! من دون أن يتم النقاش حول كيفية اعتماد آلية تطبيق فعالة وآلية تضمن تحقيق الهدف من هذه الضرائب».
من حق المودع… ولكن!
وانتقد السعد عدم تحديد وجهة استعمال إيرادات تلك الضريبتين، «كون الغرض أو المغزى من فرضهما كان استعادة أموال المودعين، ولكن ما حصل عبر اعتبارهما ضريبتين استثنائيتين، يجعل إيراداتهما تحوّل الى خزينة الدولة أي الى حسابها رقم 36 في مصرف لبنان ويتمّ إنفاقها وفقاً لما ورد بالموازنة، علماً أن الموازنة لم تنصّ بأي مادة منها على استعادة أموال المودعين، وبالتالي لا توجد ضمانة بأن تعود تلك الإيرادات الى المودع في نهاية المطاف!».