لم يكن ينتظر المؤسسات الصغيرة في لبنان إلا رفع أسعار الإنترنت، حتى تصبح خسائرها بسبب الوضع الاقتصادي أكيدة، لا بل تدفعها إلى إقفال أبوابها، وتسريح الموظفين. ففي الأيام الماضية، أثار قرار رفع أسعار الإنترنت موجة عارمة من الرفض والخوف في آن معاً، خصوصًا بالنسبة لما تبقى من شركات ومؤسسات تجارية تعمل في لبنان. وهي وجدت في القرار ضربة نهائية لإجبارها على الإقفال.
إنترنت مزدوج
يؤكد محمود منيمنة، وهو مدير شركة متخصصة بالهندسة الزراعية، أن الإنترنت أساسي في عمله، إذ لا يمكن شراء أو بيع المنتجات إلا باستخدام الإنترنت. يقول لـ”المدن”: “مع اشتداد الأزمة لم يعد من الممكن تصريف البضائع داخل السوق اللبناني. لذا أعتمد على عرض المنتجات على منصات البيع الدولية. وبالتالي فإن أكثر من 90 في المئة من عملي يعتمد على التواصل مع الخارج”. وحسب منيمنة لا يمكن شراء باقات صغيرة من الانترنت، بل يحتاج إلى شراء باقات مفتوحة، قد تصل كلفتها إلى ما لايقل عن 900 ألف ليرة شهرياً، بعدما كان يدفع نحو 300 ألف ليرة، أي أن السعر ارتفع أضعافًا ثلاثة.
أسعار مرتفعة
يشكل ارتفاع أسعار الإنترنت معضلة، ليس للشركات الصغيرة فقط، بل حتى للشركات الكبيرة التي تستخدم أكثر من شبكة لتوفير الإنترنت السريع. ويقول محمد حرب، مهندس كومبيوتر، أن شركته تحتاج ما لايقل عن 10 ملايين ليرة للإنترنت من الدولة اللبنانية، يضاف إليها ما بين 700 إلى 1000 دولار، أي ما يوازي 20 إلى 25 مليون ليرة لتزويد الموظفين بشبكة إنترنت خارجية، بسبب الأعطال التي تطرأ على الشبكة الرئيسية. ووفق حرب، فإن تسديد ما لا يقل عن 35 مليون ليرة شهرياً للحصول على الإنترنت، يزيد النفقات الثابتة على الشركة، ويجعلها تتجه إلى إما صرف بعض العاملين، أو تحميل جزء من فاتورة الإنترنت للموظف.
على عكس ما يشكو منه أصحاب الشركات الخاصة في لبنان، يرى وزير الاتصالات جوني القرم أن تغيير أسعار باقات الإنترنت بدءاً من شهر تموز، باتت حاجة ملحة لاستمرار تزويد اللبنانيين بالإنترنت، ومنعه من الانهيار. ويقول لـ”المدن”: “وصلت الخسائر في هذا القطاع إلى أكثر من 500 مليون دولار، فيما لا تزال المداخيل زهيدة جداً، وتكاد لا تكفي لتشغيل محطة واحدة لتوزيع الإنترنت”. ويضيف “أن الأسعار الجديدة تبدو مناسبة وعادلة، حتى لا يتوقف الإنترنت في لبنان”.
الكلفة الإجمالية
حسب محمد حرب، عادة تحتاج الشركات المتوسطة والصغيرة إلى مشغلين للإنترنت لضمان الاتصال بالخارج، خصوصًا أن نوع العمل يتطلب ذلك، على غرار شركات الاستيراد والتصدير. ويرتفع عدد مشغلي الإنترنت إلى ما يصل إلى عشرة أو أكثر في المؤسسات الإعلامية أو مراكز التعليم وغيرها. وترتفع بطبيعة الحال المصاريف. ويرى حرب، أن الأسعار قد تكون معضلة أكبر بالنسبة للشركات الصغيرة، التي تتأثر بارتفاع سعر العملة وانخفاضها، والتي تؤثر على طبيعة عملها.
تأثير على الأفراد
ارتفاع الأسعار ليست مقتصرة على الباقات الكبرى المخصصة للشركات، بل تطال أيضاً أصحاب المداخيل الصغيرة. ففي لبنان، هناك نوعان من خطوط الاتصال: الأول يعرف باسم خطوط مسبقة الدفع، تباع بما يقارب من 40 ألف ليرة، أي نحو دولارين أو ثلاثة حسب سعر الصيرفة، فيما يرتفع هذا السعر إلى ما بين 4 و7 دولارات، أي ما يوازي 10 في المئة من الحد الأدنى الذي أقرته وزارة المالية سابقاً. أما الخطوط الثابتة فتكلف المواطن 5 دولارات للاشتراك، وتزاد عليها الباقات التي يتم اختيارها.
وحسب وزير الاتصالات، فإن هذه الأسعار تعدُّ مقبولة، ويمكن للبناني تحملها، لا بل حتى يرى أن قيمتها انخفضت مقارنة مع ما قبل الأزمة الاقتصادية. قد يكون الوزير محقاً بذلك. ولكن هذه المقارنة غير عادلة بالنسبة للبنانيين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية. فالعامل الذي يتقاضى مليوني ليرة، هل يمكنه تسديد 10 في المئة من راتبه للإنترنت فقط؟
يرى رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو أن أي تكاليف إضافية يتم فرضها على اللبنانيين في هذا التوقيت، مع اشتداد الأزمة وانهيار قيمة العملة، أمر مرفوض. ويقول لـ”المدن”: “الحكومة لا تزال تتبع سياسة شد الخناق على اللبنانيين. ففي الوقت الذي وصل فيه سعرُ صرف الدولار في السوق الموازية غير الرسمية (السوداء) إلى أكثر من 35 الفاً، تأتي قرارات الحكومة برفع التعرفة على الاتصالات، وهو ما لا يمكن تفسيره”.