«الكل يقاوم من أجل الصمود»، هذه باختصار حال غالبية القطاعات الاقتصادية، لا سيما منها القطاع التجاري، أكثر المتضررين من الضائقة المالية التي يمر بها لبنان. فكيف الحال بعدما أضيفت اليها أزمة كورونا والاقفالات المتلاحقة التي فُرضت على البلد، لتليها كارثة انفجار مرفأ بيروت التي شكّلت الضربة القاضية.
كلما حاول التجار استيعاب صدمة، تأتيهم التالية، الا انهم لم يتمكّنوا بعد من استيعاب تداعيات ومخلفات انفجار مرفأ بيروت الذي قضى على الامل والرغبة في الوقوف مجدداً. بعد مرور أكثر من 4 أشهر على فاجعة العصر، لم يُقدِم كل التجار المتضررين من الانفجار على إعادة البناء والتأهيل والترميم كما اعتادوا أن يفعلوا في كل مرة. هذه المرة لا رغبة لديهم في إجراء التحسينات، لأنّ المصاعب باتت أكبر من قدرتهم على التحمّل.
ما بين تَبخّر الودائع والقيود المفروضة من قبل المصارف على السحب بالدولار، ومؤخراً بالليرة اللبنانية، هناك قِلّة قليلة من التجار عملت على إعادة فتح متاجرها. مشهد الأسواق التجارية في المناطق المتضررة من الاشرفية الى أسواق بيروت وبرج حمود والرميل والبربور يتحدّث عن نفسه. غالبية المحلات لا تزال مقفلة منذ حادثة الانفجار، البعض حَصّن محله بالالواح الخشبية او المعدنية وأبقى على عليه مقفلاً، وقلة أعادت فتح أبوابها للاسترزاق على أبواب الأعياد.
رئيس جمعية تجار الاشرفية أنطوان عيد يقول لـ»الجمهورية» انّ إقفال المحلات التجارية يحصل في الأسواق والمراكز على السواء وذلك نتيجة تراكمات تعود الى قبل 5 سنوات، حيث كان الوضع التجاري يسجّل تراجعاً تدريجياً. وقد أضافت أزمة السيولة والأزمة المالية عبئاً إضافياً على التجار الذين احتاروا في كيفية التسعير، خصوصاً انّ قدرة الزبائن الأساسيين من اللبنانيين تراجعت بشكل مخيف مع فقدان الليرة لنحو 70 % من قيمتها، ناهيك عن عدم قدرتهم على شراء الدولار عن منصة المركزي على 3900 ليرة، وصعوبة تأمين الدولارات النقدية لغرض الاستيراد لتجديد المخزون. الى جانب هذه الأزمات أتت جائحة كورونا التي زادت الطين بلة، يضاف اليها انفجار مرفأ بيروت الذي أصاب المنطقة بأضرار جسيمة. وبالنتيجة، اتخذت عدة مؤسسات قرارها بإقفال متاجرها نهائياً لأنها لم تعد تقوى على الصمود. ومن هؤلاء من لم يصلح متجره نهائياً، ومنهم من أصلحَ واجهة محلّه فقط لحمايته من أمطار الشتاء إلّا انه لم يعاود فتحه.
وقال: صحيح انّ المنطقة شهدت انفجارات في السابق، الّا انها المرة الأولى التي لا يُقدِم أصحابها على إجراء التصليحات، أكان على البيوت او المتاجر، فالغالبية لم تعد تملك السيولة لذلك.
أضاف: لا يوجد متجر واحد او مؤسسة واحدة في منطقة الاشرفية لم تتضرر جرّاء الانفجار مِن تَحطّم زجاج، الى تكسير الألمينيوم، الى دمار شامل. وقدّر نسبة الاقفالات التجارية المسجّلة هذا العام بنحو 25 %، ما يعني انه من ضمن كل 100 فرد بات هناك 25 منهم من دون مدخول، وهذه كارثة اجتماعية تستدعي تَدخّل الدولة.
وعن الحركة التجارية قبَيل الأعياد، قال: في تاريخ الاشرفية لم نشهد سنة أصعب من الحالية، ورغم ذلك نسعى جاهدين لخلق بهجة العيد فأضَأنا الشوارع وقمنا بتزيين مداخل المنطقة.
أسواق بيروت
الأسواق التجارية في بيروت ليست أفضل حالاً، فالمتاجر القائمة في سوليدير هي من الأكثر تضرراً جرّاء الانفجار، ولا تزال في غالبيتها مقفلة. ووفق رئيس جمعية تجار سوق بربور والرئيس السابق للجنة الاسواق في جمعية تجار بيروت رشيد كبّي، ان الأسواق المتضررة تقسم الى 3 فئات:
الفئة الأولى تشمل منطقة مار مخايل لغاية منطقة النهر، كلها مناطق منكوبة تحتاج الى إعادة تأهيل كاملة، فالمتاجر دُمّرت والبضائع احترقت، إضافة الى انّ قسماً من منطقة برج حمود وأسواقها تضرر. امّا الخط الساحلي الذي يشرف عل الاوتوستراد فهو كذلك منكوب، بما فيه محطات الوقود والمباني والمتاجر.
الفئة الثانية تشمل سوليدير وصولاً الى الزيتونة ب وشارع فوش وويغان والبلدية، هذه المناطق تضررت إنما بنسبة اقل من منطقة مار مخايل، ويحاول افرادها القيام بالتصليحات قدر الإمكان، لكنّ نسبتهم لا تتجاوز الـ 15 %، ولن تتمكّن هذه الأسواق من استعادة عافيتها قبل عام.
الفئة الثالثة تشمل مناطق الباشورة والاشرفيه وصولاً الى زقاق البلاط. ولقد طاولت الأضرار فيها نحو 50 % من المحلات التجارية التي اقتصرت على تَحطّم الزجاج وتكسير الالمينيوم. وغالبية اصحاب هذه المحلات أجروا التصليحات اللازمة للوقاية خصوصاً من فصل الشتاء.
وشَبّه كبّي متاجر أسواق بيروت التابعة لسوليدير «بالخِربة»، بعدما تضررت كثيراً جرّاء الانفجار، وهي في غالبيتها مقفلة بعد انسحاب أصحابها منها.
قصعة
امّا أوضاع المراكز التجارية فلا تختلف كثيراً عن حال الأسواق، فبعد سلسلة الانسحابات لبعض العلامات التجارية من الأسواق اللبنانية، تردّد أخيراً أنها هناك مجموعة انسحابات جديدة.
وفي السياق، يقول رئيس جمعية تراخيص الامتياز يحيى قصعة لـ»الجمهورية» انّ هناك اشاعات كثيرة وتضخيماً لعدد المتاجر التي أقفلت والعلامات التجارية التي انسحبت من لبنان. وأكّد انّ وضع المتاجر، خصوصاً في المراكز التجارية، لا يزال أفضل من غيره في هذا المجال. وقال: صحيح انّ المراكز التجارية او المولات تعاني، وانّ هناك توجهاً لانسحاب مزيد من العلامات التجارية الصغيرة من السوق اللبناني، لكنّ أصحاب هذه المراكز يقدّمون تسهيلات للتجار، مثل تمديد مهل دفع الإيجارات ليتمكنوا من الصمود أكبر قدر ممكن في ظل الضائقة الاقتصادية والمالية التي تمر بها البلاد.
وكشفَ عن وجود مَساعٍ من قبل بعض شركات التجزئة العاملة في لبنان لشراء ملكية بعض العلامات التجارية التي أعلنت في الفترة السابقة عن انسحابها من لبنان لتُعاوِد فتح محلاتها مجدداً في المرحلة المقبلة، ولو بفروع أقل، وذلك في محاولة منها لإبقاء العلامات التجارية قدر المستطاع في البلد.
وفي السياق، علمت «الجمهورية» انّ شركة «أزاديا» أجرت مفاوضات للاستحواذ على علامة adidas التجارية، التي من المتوقّع ان تعود وتفتح محلاتها في لبنان، إنما بفروع قليلة.