ضرب الهيئات الرقابية مستمر: المحميات السياسة محصّنة من التقشف!

 

إذا كانت مواد قانون الموازنة قد بنيت على قاعدة أن البلد في أزمة تهدد مستقبله المالي والاقتصادي، وهو ما بررت به الحكومة مدّ اليد على مستحقات الموظفين وحقوقهم وفرض الرسوم الإضافية التي تطاول الفقراء، فقد بدا واضحاً أمس أن هذه الرؤية لم تنعكس على النفقات المقررة لعدد كبير من الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة، والتي سبق أن وصفها نواب بالمحميات، إذ إن التخفيضات التي أجريت على هذه الموازنات جاءت محدودة، لا بل تبيّن وجود ألغام عديدة فيها. ففي عز الحديث عن الإجراءات التقشفية، يتبين، على سبيل المثال، أن رئاسة مجلس الوزراء رفعت موازنة المجلس الأعلى للخصخصة من مليار ليرة إلى 14 مليار ليرة، علماً بأن الشغور يتحكم بأمانتها العامة منذ استقالة أمينها العام زياد حايك. ولأن بعض البنود تتضمن زيادات غير مبررة، طالب عدد من النواب بتخفيض يطاول، على الأقل، المبالغ المرصودة للمواد الاستهلاكية، التي ارتفعت من دون مبرر في أكثر من هيئة أو مؤسسة تابعة لرئاسة مجلس الوزراء، إلا أن هذا الطلب سرعان ما رفض. كذلك رفض اقتراح بأن تتم الموافقة على كل البنود التي تتضمن إنفاقاً لا يزيد على موازنة عام 2018، وأن يصار إلى إعادة كل إنفاق يزيد على موازنة 2018 إلى ما كان عليه.

وفي ظل تكرار رئيس الحكومة سعد الحريري أن الموازنة تضم مواد إصلاحية عديدة، لم يكن مبرراً كيف يذهب من يريد الإصلاح إلى حصار الأجهزة الرقابية عبر خفض موازناتها المنخفضة أصلاً أو عبر إلزامها بقرار منع التوظيف، وهي التي تعاني شغوراً يتخطى الخمسين في المئة من ملاكاتها. فالتفتيش المركزي، على سبيل المثال، انخفضت موازنته لتصبح الرواتب والإيجارات وغيرها من المصاريف الثابتة تقدر بـ 97.5 في المئة من مجمل المبلغ المرصود. أما ديوان المحاسبة، الوحيد التي ارتفعت موازنته من بين الهيئات الرقابية، فلا يزال بحاجة ماسة إلى تعزيز كادره الوظيفي، وخاصة أن رئيس الديوان اعتبر أن أهم أسباب التأخير في إنجاز الحسابات هو الشغور في الملاك. والشغور الذي يعتبر ظاهرة عامة في المؤسسات الرقابية، تبشر الحكومة بأنه سيستمر لفترة طويلة، ربطاً بقرار وقف التوظيف لثلاث سنوات. المهم أن المطلوب تخفيض العجز، وليس مهماً أن يُسمع رئيس التفتيش المركزي جورج عطية وهو يقول إنه في عام 1959، عندما كان عدد الموظفين في الدولة لا يتخطى الـ 4000 موظف، كان ملاك الهيئة يضم 150 مفتشاً، بينما هو حالياً، بعدما وصل عدد الموظفين إلى 100 ألف موظف، لا يضم سوى 70 مفتشاً!

المادة السابقةسعي إلى تطويق محاصصة الحريري وباسيل في التعيينات
المقالة القادمة“التجارة” العراقية: تأمين خزين ستراتيجي لـ 4 أشهر من مفردات التموينية