تتباين انطباعات المحللين والتجار بشأن آفاق انتهاء أزمة الشحن البحري، والتي من الواضح أنها تتسبب في حالة من القلق من العودة إلى مربع التضخم الجامع نتيجة تباطؤ الإمدادات عالميا.
وكتب اقتصاديو شركة نومورا في لندن بقيادة جورج موران في مذكرة بحثية الأربعاء الماضي، “نعتقد أن الأسواق تقلل من خطورة ارتفاع أسعار الشحن”. وأضافوا “يشير نموذجنا إلى أنه قد يكون هناك ضغط تصاعدي ملحوظ على التضخم”.
وبالنسبة للبنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم التي بدأت أو تستعد لخفض الفائدة، فإن أي عودة للتضخم من شأنها أن تشكل تحديا كبيرا. وما يمكن أن يساعد صناع السياسات هو الجهود المكثفة التي تبذلها الصناعة البحرية لمعالجة الاختلالات.
وقال جيسون ستار نائب رئيس العمليات في شركة غلوب إلكتريك ومقرها مونتريال في كندا لوكالة بلومبيرغ إن “الشيء الوحيد الذي تعلمته خلال العامين الماضيين هو عدم توقع الاستقرار تقريبا”.
وأضاف “عندما يكون الوضع هادئا للغاية، تأكد من أن لديك خططا احتياطية جاهزة للبدء عليك أن تكون أكثر صدارة في لعبتك”.
وشعر ستار بأول ذكريات الماضي عن اضطراب ما بعد الصدمة الوبائي في منتصف أبريل الماضي، عندما سمع شيئا لم يسمع به منذ 18 شهرا وهو أن الحجوزات على سفن الشحن القادمة من آسيا تضيق.
وفي غضون أسابيع، ارتفعت أسعار الحاويات الفورية بأكبر قدر منذ 2022 وكان الزبائن يطالبون بمنتجات الإضاءة في وقت أقرب من أي وقت مضى قبل ذروة موسم المبيعات في الربع الرابع من هذا العام.
ويتذكر قائلا “من الأفضل أن نبدأ بالتخطيط. لقد ساعدتنا أزمة الشحن خلال كوفيد حقًا على فهم كيفية التعامل مع أزمات الشحن المستقبلية مثل تلك التي نواجهها الآن”.
والتعطيل التاريخي، الذي كلف 25 تريليون دولار في تجارة السلع العالمية، وبلغ ذروته قبل عامين، خلف ندوبا اقتصادية عميقة ناجمة عن التضخم ونقص السلع.
ولكنها أيضا أفرزت حواجز وقائية في شركات مثل شركة غلوب إلكتريك، حيث باتت فرق المشتريات الآن أكثر مرونة مع اعتماد جديد على التكنولوجيا وأدوات البيانات لتوجيه قراراتها.
وتم تسليط الضوء على هشاشة التجارة العالمية من خلال ستة أشهر من الهجمات على السفن في البحر الأحمر، والتي توقع عدد قليل من الخبراء أن تستمر لفترة طويلة.
ورغم أن الاضطرابات لم تصل إلى المستويات التي شوهدت خلال الوباء، لكن المستوردين يحذرون من أنه سيتعين عليهم في النهاية نقل التكاليف إلى المستهلكين، وتعد الاضطرابات الأخيرة حافزا آخر لتقريب الإنتاج من نقاط البيع.
وتعد سي.أو.إي ديستروبيتنغ لبيع أثاث المكاتب بالجملة، ومقرها ولاية بنسلفانيا، من بين الشركات، التي شعرت بالضربة. وكانت تستخدم طريق البحر الأحمر لاستيراد نصف منتجاتها من شركاتها المصنعة في آسيا.
وقال جي.دي إوينغ، الرئيس التنفيذي للشركة، الذي حذر من أنه قد يحتاج إلى زيادة رسومه للزبائن في العام المقبل إن “الأمر ليس مؤثرا أو مرئيا لغالبية المستهلكين الأميركيين حاليا، لكننا بدأنا نرى تأثيرات الكلفة المادية”. وأضاف إن الصعوبات الأخيرة “عززت بالتأكيد” قضية تقريب الإنتاج إلى البلاد، رغم أن ذلك سيكون “عملية طويلة”.
وبالنسبة للشركات الأميركية الأخرى، أصبح التعرض لدورات سوق الشحن أكثر حدة من أي وقت مضى. ويقول جريج ديفيدسون، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة لالو لمنتجات الأطفال، ومقرها نيويورك، والتي تشحن من آسيا، إن أعلى مبلغ دفعه مقابل حاوية كان نحو 21 ألف دولار في 2022.
وأشار إلى أن تكهنات الصناعة تشير إلى أن الأسعار ستعود إلى 20 ألف دولار، وسيكون ذلك بمثابة زيادة كبيرة عن مبلغ تسعة آلاف دولار الذي دفعه مؤخرا. وأضاف “إذا ارتفعت أسعار الحاويات إلى هذا المستوى مجددا، فسيحدث قدر من التضخم على كمية معينة من البضائع”.
وظهرت بالفعل تلميحات عن مثل هذه الضغوط، فقد ارتفعت أسعار المنتجين في الولايات المتحدة أكثر بقليل من المتوقع في يونيو الماضي. وتأتي الأزمة بينما يسارع التجار في الولايات المتحدة وأوروبا إلى التخزين قبل مواسم التسوق الخاصة بالعودة إلى المدارس وعطلات نهاية العام. ومما يزيد من هذا الاندفاع هو التهديد بفرض رسوم جمركية أميركية أعلى على الواردات الصينية.
وقال ستيفن لامار، رئيس الجمعية الأميركية للملابس والأحذية، التي تمثل أكثر من ألف علامة رائدة “الجانب المشرق الوحيد هنا هو الفهم الأفضل للمشكلة التي لا نزال نواجهها” مع الاضطرابات. وأضاف “هذا لا يعني أن المشكلة أسهل في إدارتها أو التعامل معها”.
ونظرا لقربها من البحر الأحمر، فإن الشركات الأوروبية تشعر بتأثيرات كبيرة، فقد أصدرت دي.أف.أس فورنيتور البريطانية لبيع الأثاث، تحذيرا بشأن الأرباح الشهر الماضي، مشيرة إلى أن التوتر في البحر الأحمر أدى إلى زيادة تكاليف الشحن وتأخر التسليم.
وقال أليكس بالدوك، الرئيس التنفيذي لشركة سيريز الشهر الماضي إن تكاليف سلسلة التوريد وتشغيل الخدمات “وصلت إلى خط هامش الربح الإجمالي”، مما أجبر شركة بيع الإلكترونيات بالتجزئة البريطانية على تنفيذ تدابير التحكم في التكاليف.
وتعمل شركة آدلايف السويدية مع الموردين بشأن الأعمال المتراكمة “الكبيرة”، حسبما أكد رئيسها التنفيذي فريدريك دالبورج في مؤتمر عبر الهاتف الاثنين الماضي. وقال إنه “يجري بناء مخزونات احتياطية في بعض الحالات”.
ومع ذلك، هناك دلائل تشير إلى أن أزمة الشحن الأخيرة قد تكون قريبة من الذروة. ويبدو أن ازدحام الموانئ في سنغافورة، وهي مركز رئيسي للشحن العابر للبضائع الآسيوية بدأ ينحسر.
ووصلت أسعار الحاويات الفورية المتجهة إلى الولايات المتحدة من آسيا، والتي تتبعها زينيتا، وهي منصة لتحليلات الشحن مقرها أوسلو، إلى مرحلة الاستقرار.
وقالت إميلي ستوسبول، كبيرة محللي زينيتا “يمكن لشركات الشحن أن تبدأ مرة أخرى في إثارة شركات النقل ضد بعضها البعض”. وأضافت “مع بدء ميزان القوى التفاوضية في التأرجح نحو شركات الشحن، يجب أن نرى الأسعار الفورية تبدأ في الانخفاض مرة أخرى”.