طار “الكابيتال”.. والتهويل بـ”الصندوق” لن يُفيد ..

حسناً فعلت اللجان النيابية المشتركة بقرارها وقف البحث في مشروع قانون «الكابيتال كونترول» لِما ينطوي عليه في صيغته المطروحة من أفخاخ تعوّم المصارف وكل من يقف خلفها على حساب المودعين، ولن يفيد البعض «التهويل بالويل والثبور وعظائم الامور» من انّ عدم اقراره سيمنع توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وذلك لأنّ مكمن الداء والدواء كان ولا يزال هو الدولة ومصرف لبنان والمصارف، هذا الثالوت الذي تصرّف بأموال المودعين بغير حق واضاع جنى اعمارهم، ولم يكتف بهذه الودائع فقط، بل يعمل لحل الازمة على حساب المودعين وعبر السطو على رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص بواسطة الـ«هيركات» المقنّع عليها يومياً وفي نهاية كل شهر بلا اي رادع او مانع.

واذا كانت خلفيات العاملين في الداخل والخارج على إقرار «الكابيتال كونترول» بصيغة لصوصية معروفة بأبعادها السياسية وغاياتها، فإنّ هذا القانون لن يقرّ الا في حالة ضمان الودائع لأصحابها بنحو لا لبس فيه، ولكن حتى الآن فإنّ كل الصيغ المطروحة تمنع المودعين من ملاحقة المصارف والدولة ومصرف لبنان قضائياً اذا لم يردوا لهم ودائعهم، علماً انّ البعض يعتبر ان إخفاء او «تطيير» الودائع يندر ضمن الحصار الذي تفرضه الجهات الخارجية على لبنان بغية تجيير الاستحقاقات الداخلية لمصلحتها من تأليف الحكومة الى ترسيم الحدود البحرية وصولاً الى الاستحقاق الرئاسي الذي تدخل البلاد بدءاً من منتصف ليل اليوم في مهلة الستين يوماً الدستورية لإنجازه.

مخاطر تتجاوز القانون

منذ ان أُعلن أمس عن تجميد البحث في قانون الكابيتال كونترول في اللجان النيابية المشتركة، والطلب الى الحكومة إرسال خطة التعافي مع مشروع القانون لمناقشته، اعتبر المراقبون ان الكابيتال كونترول طار. لكن المشكلة في الواقع تتجاوز مسألة القانون، وهي تؤشر الى مخاطر حقيقية قد تؤدي عملياً الى عدم الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وبالتالي، مواجهة الكارثة التي تزحف تدريجاً وتزداد عمقاً يوماً بعد يوم.

وفي هذا السياق، يقول خبير اقتصادي لـ«الجمهورية» انّ ما طلبته اللجان المشتركة امس يوحي بأنّ الاتفاق مع صندوق النقد اصبح بعيد المنال، وفقاً للحقائق التالية:

اولاً – انّ الربط بين خطة التعافي وقانون الكابيتال كونترول، وعلى عكس معظم الاجراءات الاخرى، هو في غير محله. والدول التي تقرّ الكابيتال كونترول لا تنتظر ابداً إنجاز خطة التعافي لكي تقرّه، بل انه اجراء مستقل يعتبر بمثابة اجراء احترازي وتنظيمي يسبق تنفيذ خطط الانقاذ.

ثانياً – ان اللجان النيابية تعرف ان خطة التعافي التي تم الاتفاق في شأنها مع صندوق النقد الدولي ستخضع لتغييرات تُمليها المواقف الجديدة التي اعلنها رئيس حكومة تصريف الاعمال في كلمته في المجلس النيابي. وقد وعد ميقاتي يومها باستكمال ترجمة الافكار التي اعلن عنها، ودمجها في خطة التعافي بما يعني انّ الخطة ستأخذ المزيد من الوقت، خصوصاً انه ينبغي ان تتم مناقشتها مع صندوق النقد من جديد.

ثالثا – من خلال المواقف والافكار التي سبقت جلسة اللجان امس، سواء من قبل النواب او من قبل جهات اخرى، توحي أنّ الخلافات لا تزال عميقة بين كل الاطراف، ولا تزال الشعبوية متحكّمة بالقرارات والمواقف.

في الخلاصة، يبدو ان جلسة امس ستكون الخطوة الاولى نحو إسقاط الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وسيكون البلد في مواجهة مصيره المجهول.

النكد السياسي

الى ذلك، ابلغت اوساط مطلعة الى «الجمهورية» انّ «خطورة التهرّب من إقرار مشروع الكابيتال كونترول تكمن في انعكاسه السلبي على مسعى إنجاز الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي»، مشيرة الى «انّ الصندوق لن يبرم مثل هذا الاتفاق مع لبنان بلا اعتماد قانون «الكابيتال الكونترول»، لأنّ من دونه يخشى على مصير الأموال التي سيخصّصها للبنان، إذ انها ستدخل من الباب لكنها قد تخرج من الشباك في ظل عدم وجود قيود على التحويلات».

واشارت هذه الاوساط الى انّ «محتوى صيغة الكابيتال كونترول كان يتحمّل التعديل في بعض بنوده خلال مناقشته في اجتماع اللجان النيابية المشتركة ليحقق حماية اكبر لحقوق المودعين، لكنّ المشكلة الحقيقية ليست تقنية بل سياسية».

واكدت «ان بعض الجهات انطلقت في معارضتها لمشروع الكابيتال كونترول من قاعدة رفضها مبدأ إقراره في عهد الرئيس ميشال عون، حتى لا يُحسب هذا الإنجاز له في نهاية ولايته الرئاسية».

ولفتت الاوساط الى «ان ما حصل في مجلس النواب امس يؤشّر إلى ان لا اتفاق مع صندوق النقد حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو انتخاب من المُستبعد ان يتم ضمن المهلة الدستورية، الأمر الذي يعني انّ تضييع الوقت الثمين مستمر وان النكد السياسي لا يزال يتكفّل بتضييع الفرصة تلو الأخرى».

 

مصدرالجمهورية
المادة السابقة«الدولار الجمركيّ» فرصة لإعادة توزيع الثروة
المقالة القادمةجو سلوم: تلقينا كميات من حليب الأطفال منذ فترة ونقوم بتسليمها لمن يطلبها لكنها غير كافية