طريق السيطرة على الذكاء الاصطناعي يمر عبر الرقائق

أفضل ما في القمة التي جمعت بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الصيني شي جينبينغ في كاليفورنيا هو الاتفاق على إبقاء خطوط الاتصال بينهما مفتوحة.

التقى الرئيسان الأميركي والصيني الأربعاء في مزرعة فخمة جنوب سان فرانسيسكو واستقبلا بعضهما بابتسامات ومصافحة. وبعد عدة ساعات خرج بايدن ليقول إنه مازال يعتبر الرئيس الصيني دكتاتورا.

وهذا أول لقاء يجمع بين بايدن وشي منذ قمة مجموعة العشرين في جزيرة بالي الإندونيسية قبل عام.

وقبل عام كان المراقبون يأملون في أن يوقف اجتماع بالي الاتجاه التنازلي في العلاقات الأميركية – الصينية. وبعد ضجة كبيرة تمخضت قمة بالي عن فأر لتظل العلاقات الثنائية ضعيفة. وفي واقع الأمر، سرعان ما أصبحت حتى أسوأ.

وكان هناك شعور بين المراقبين اليوم بأن قمة سان فرانسيسكو لن تكون سوى نسخة من اجتماع بايدن وشي في بالي بإندونيسيا.

وحدد المسؤولون الصينيون التوقعات التي ينتظرونها من واشنطن، ويرون أنها ضرورية لتسوية الأزمة في العلاقات الثنائية، مؤكدين على ثلاث قضايا قالوا إن على واشنطن أن “تصحح أخطاءها” فيها، وهي:

أولا، أن تتخلى الولايات المتحدة عن محاولات قمع واحتواء الصين في مجالي التجارة والتكنولوجيا من خلال “عقوبات غير معقولة”، و”الدفع صوب فك الارتباط مع الصين في التكنولوجيا المتقدمة”.

وثانيا، أن تتوقف واشنطن عن “تضخيم نظرية التهديد من جانب الصين” و”إقامة تحالف مناهض لبكين”.

وثالثا، أن تتوقف عن اللعب بورقة تايوان لاحتواء الصين.

واضح أن أكثر ما يشغل بكين هو الحرب التجارية – التكنولوجية التي تشنها واشنطن ضدها متذرعة بتهديدات أمنية تشكلها الصين على الولايات المتحدة وعلى الأمن الدولي.

وتقول وكالة الأنباء الصينية شينخوا إنّ “الرئيسين الصيني شي جينبينغ والأميركي جو بايدن اتّفقا الأربعاء على عقد محادثات حكومية بين الصين والولايات المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي”.

ومنذ اليوم الأول له في البيت الأبيض حرص بايدن على إكمال الحرب التجارية التي بدأها الرئيس السابق دونالد ترامب، متخذا خطوات جديدة لتقييد إمدادات الرقائق إلى الصين.

وبينما كانت الإجراءات تمضي لترتيب القمة بين الرئيسين، كانت مجموعة تينسنت هولدنجز الصينية العملاقة للتكنولوجيا تبحث عن مصادر محلية للرقائق تستخدم لتدريب الذكاء الاصطناعي، بعد إجراءات جديدة اتخذتها واشنطن لتقييد إمدادات الرقائق إلى الصين.

وقال مارتن لاو رئيس تينسنت في مكالمة مع المحللين إن قرار البيت الأبيض الشهر الماضي بحظر المزيد من رقائق الذكاء الاصطناعي من التصدير إلى الصين سيجبر الشركة على استخدام مخزون الرقائق الحالي لدى الشركة بشكل أكثر كفاءة، والبحث عن رقائق الذكاء الاصطناعي المنتجة محليا.

وتينسنت ليست الشركة الصينية الوحيدة التي تواجه مشكلة الرقائق. نفس المشكلة تواجهها شركات صينية طموحة تعمل في قطاع الذكاء الاصطناعي، وتجاهد في مواجهة قيود تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي الأميركية المتزايدة.

قبل فرض هذه القيود، كانت شركة Nvidia الأميركية العملاقة لأشباه الموصلات تهيمن تقليديا على سوق رقائق الذكاء الاصطناعي في الصين. ولكن الآن يتحول عدد متزايد من شركات التكنولوجيا الصينية إلى شركات صناعة الرقائق المحلية مثل هواوي تكنولوجي.

وذكرت رويترز الأسبوع الماضي أن شركة بايدو المنافسة لشركة تينسنت قد طلبت 1600 من رقائق Ascend 910B من هواوي.

وقال لاو إن تينسنت خزنت ما يكفي من رقائق نفيديا لمواصلة تطوير نموذجها للذكاء الاصطناعي المسمى هونيوان “لبضعة أجيال أخرى على الأقل”.

بالطبع لا تقصر أهمية صناعة أشباه الموصلات على الذكاء الاصطناعي، بل هي حجر الزاوية في الصناعات الرقمية، مثل أجهزة الكومبيوتر والهواتف الذكية، إضافة إلى تطوير أنظمة التشغيل.

وسبق للصين أن واجهت موقفا مشابها مع رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب، الذي افتتح عهدته الرئاسية بالضغط على الصين اقتصاديا، مدعما موقفه بآراء مختصين في هذا المجال، ومنهم غابرييل تشو، رئيس مجموعة آسيا لإحصاءات التجارة العالمية لأشباه الموصلات، الذي أكد أن وضع الصين “يشبه شخصا قادرا على صنع تصميمات رائعة من قطع الليغو، لكنه لا يعرف كيف يصنع قطع الليغو نفسها”.

الصين، حسب رأيه، “نجحت في الهيمنة على أسواق البيع، مثل أسواق الهواتف المحمولة أو غيرها من المنتجات الاستهلاكية. لكن أشباه الموصلات تتطلب الكثير من المهارات العلمية الأساسية”.

حجج ترامب التي ساقها لفرض الحصار على العملاق الصيني للهواتف المحمولة هواوي التي أزاحت خلال عام 2019 أبل عن موقعها، لتحتل المركز الثاني بعد العملاق الكوري الجنوبي سامسونغ، هي اتهامات أمنية.

واتهمت الولايات المتحدة الشركة بأن لها علاقات مع الجيش الصيني، وتخشى أن يؤدي تركيب الشركة شبكات اتصالات في جميع أنحاء العالم إلى تعريض البيانات الحساسة للخطر.

ولم يُطمئن نفي بكين الاتهامات شركاء هواوي حول العالم، الذين سارعوا للتخلي عنها. خاصة بعد تحرك واشنطن لحظر بيع الرقائق المهمة والبرمجيات، التي تشكل نقطة ضعف رئيسة لطموحات المجموعة.

اليوم لا توجد أي بدائل لأنظمة التشغيل المعتمدة في أجهزة الكومبيوتر الشخصية، أو أنظمة تشغيل الهواتف المحمولة التي تسوقها غوغل وأبل ومايكروسوفت.

عوائق، بالتأكيد كبيرة، قد لا تزيلها دعوة الرئيس الصيني إلى الاعتماد على الذات في مجال التكنولوجيا، مذكرا أن الصين اجتازت “مسيرة طويلة” ضد المنافسين الأجانب.

وضخت بكين أموالا طائلة، سعيا لتطوير أشباه الموصلات، وتصميم الرقائق الخاصة بها، لكنها لم تنجح في سد الفجوة مع منافسيها الأميركيين واليابانيين والكوريين الجنوبيين.

سبق للصين أن حققت معجزة اقتصادية في النصف الثاني من القرن العشرين، وانتقلت من مجتمع زراعي متخلف إلى عملاق اقتصادي، يمتلك اليوم أكبر احتياطي من العملات الأجنبية، ويصنف كثاني أكبر اقتصاد في العالم، بناتج إجمالي يفوق 11 تريليون دولار.

ولم تبخل الصين في ضخ النقود تلبية لدعوة رئيسها، حيث ارتفعت قيمة صناعة أشباه الموصلات إلى 231 مليار دولار عام 2018، وهو ما مثل حينها نحو نصف حصة السوق العالمية.

الضغط الذي مارسته السلطات الأميركية على الشركات الصينية لوقف تطوير التكنولوجيا الفائقة أدى إلى نتائج عكسية، فشهدت الصناعات التكنولوجية الصينية نموا غير مسبوق في عام 2018، لتصبح واحدة من القوى الدافعة الرئيسية لتطوير صناعة أشباه الموصلات في العالم.

وبشهادة أميركية صدرت عن رئيس مكتب تكنولوجيا المعلومات بالولايات المتحدة كريستوفر ميلوارد، الصين لم تعد مستهلكا رئيسا لأشباه الموصلات فحسب، بل هي أيضا مبتكر ومطور.

ويتهم مسؤولون حكوميون تايوانيون الصين باستهداف الشركات التايوانية، التي تقوم بتصنيع الرقاقات الخاصة بأكبر الشركات الأميركية، بما في ذلك شركة أبل ونفيديا وكوالكوم، في محاولة لسرقة الموظفين وبيانات التصنيع.

وتهدف بكين إلى الضغط على تايوان، التي تعتبرها إقليما منشقا، وتسعى لتحقيق هدفها الإستراتيجي الخاص بتقليل اعتمادها على الموردين الأجانب، واللحاق بركب الشركات العالمية المتطورة تقنيا في مجال تصميم وبناء كافة أنواع الرقاقات الإلكترونية، وذلك وفقا لتقرير صادر عن وول ستريت جورنال.

كان ترامب مطمئنا إلى أن الصين لن تنجح في اللحاق بركب مصنعي الرقائق والبرمجيات الرواد، إلا أن الصين التي كانت تعلم أن حصر أنشطتها على الاقتصاد التقليدي، ليست نتائجه مراوحة في المكان فقط، بل تراجع إلى الوراء، عملت كل ما في وسعها على افتكاك مكان ريادي في الاقتصاد الذكي.

مع تطور الذكاء الاصطناعي برزت حاجة إلى أنواع أعقد وأقوى من الرقائق، ويستخدم الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن حاجة الصين إلى هذه الرقائق للضغط على حكومة بكين.

ولكن، ألا يخشى بايدن أن تتمكن خلية النحل الصينية، بمجرد أمر تتلقاه من أصحاب القرار، من تجييش نفسها لتفاجئ العالم، بنظام بديل عن أنظمة عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة. وما استطاعت تلك الشركات أن تنجزه خلال عقود ثلاثة قد يتمكن التنين الصيني من إنجازه خلال ثلاث سنوات.

فعلتها بكين من قبل.. وقد تفعلها مرة أخرى.

مصدرالعرب اللندنية - علي قاسم
المادة السابقةالضريبة على القروض المُسدّدة: خطوة باتجاه الحلول العادلة
المقالة القادمةالمركزي الأوروبي يدعو إلى “استباق” مخاطر تهدد الاستقرار المالي في منطقة اليورو