نعم، خضعت الدولة للتجّار، رضخت لهم، غيَّرت تسعيرة المحروقات إرضاءً لخواطرهم، لم تقاوم ضغطهم يوماً واحداً، أثبتوا أنّهم الأقوى، فرضوا رأيهم ومصالحهم ولو على حساب مصالح الناس. مرّت أزمة «سوء النية» بين المصارف والمحطّات على خير، لم تترك تداعياتها الوخيمة على السوق، رغم أنّ هناك تجّاراً إستغلّوا الأزمة وباعوا تنكة البنزين بـ40 دولاراً، فهؤلاء لهم باع طويل في استغلال الأزمات، إكتسبوا خبرة وافرة من طوابير الذلّ السابقة ومن السوق السوداء الماضية، أدركوا أنّ الأزمة موقتة و»الشاطر ما يموت»، وهو ما يؤكده أحد أصحاب المحطات، متحدّثاً عن تلاعب في الكيل داخل المحطات، وهو أمر لا يلتفت إليه مراقبو الإقتصاد، «فالكيل يختلف بين محطة وأخرى ما يدرّ عليهم أرباحاً كبيرة»، ويعزو السبب إلى أنّ هؤلاء يريدون حماية رساميلهم، ويعمدون إلى التلاعب بكيل المحطة، ما يعني أنّ الغش كبير و»على عينك يا رقابة».
لم يلتفت المواطنون كثيراً للأزمة المفتعلة، ولا لسعر المحروقات الجديد وقد قفز 80 ألف ليرة بعد انخفاض 137 ألف ليرة، إنشغلوا في تحويل ليراتهم إلى دولارات عبر منصة «صيرفة»، وقفوا في طوابير الذلّ لساعات، فقط لأجل تحويل مئة وعشرين مليون ليرة إلى دولار، كان همّهم التعويض عن خسائرهم فيما تشير معطيات مصرفية الى أنّ لعبة الدولار مستمرّة، وليس مستغرباً أو مستبعداً أن ينخفض الدولار إلى أقل من 38 ألف ليرة، كنوع من سرقة مزدوجة لأموال الناس. ولا تخفي المصادر نفسها قولها إنّ «الهدف من فتح صيرفة شفط العملة اللبنانية من جيوب المواطنين، ومن ثم خفض الدولار، وبالتالي سيخسر المواطن ما كان يأمل ربحه من صيرفة بل سيدفع من جيبه، في لعبة ذكية من حاكم مصرف لبنان الذي حوّل الناس كرة يلعب بها كما يريد ويسدّد الهدف الذي يريده والشعب خانع».
في المصرف، تتعرّف إلى مواطن أتى على عجل لتحويل أمواله إلى دولارات، تأبّط كيسه الأسود وفيه ماله ينتظر دوره، يراقب بقلق ما ينتظره بعد رأس السنة، هنا تسمع أوجاع الناس التي استمرّت لعام كامل، الكلّ يريد لعام 2022 أن ينتهي، لكنّ الخشية من العام الجديد.
في طابور المصرف الطويل يقف العسكري والأستاذ والموظّف والعامل، فالكلّ يريد أن يستفيد، بالكاد يربح مليون ليرة عن كل 400 دولار، فالحاكم سرق أرباح صيرفة التي كان يستفيد منها المواطن، كان برأي عفاف «راتباً ثانياً لدفع الفواتير، غير أنّ لعبة اليوم ما هي إلا لتضييق الخناق علينا».
مصارف النبطية بمعظمها رفضت تطبيق صيرفة، رحَّلت تطبيقه الى ما بعد رأس السنة، تترقّب حركة الدولار، لأنّها «لم تتلقّ بعد خطة التطبيق العملية»، في حين أنّ من فتح أبوابه أقفلها عند الثانية عشرة ظهراً، ضارباً عرض الحائط بقرار حاكم المركزي، وحين يسأل المواطن عن السبب يأتيه الجواب من داخل المصرف «الحاكم بيفتح للخامسة أما نحن فدوامنا للـ12 ظهراً». وأكثر، يرفض المصرف دفع ودائع الناس رغم أنه يوزّع دولارات على منّصة صيرفة على قاعدة « دولار بالإيد ولا مئات في خزائن المصارف».
يبدو أنّ لعبة الدولار ومن خلفها «صيرفة» تخفي خلفها كارثة مالية كبرى، والكل على يقين بأنّ انخفاضه سيتبعه ارتفاع قياسي و»مش طالعة غير براس المعتّر».