لا يمكن معرفة إذا ما كان مناصرو التيار الوطني الحر، الذي يتولى منذ سنوات وزارة الطاقة، يملأون سياراتهم بالبنزين من محطات شركات محروقات محسوبة عليهم، فلا يبدون متضررين من الوقوف ساعات من الذل أمامها. ولا يمكن معرفة إذا ما كان هؤلاء لا يدفعون فواتير المولدات المرتفعة نتيجة انقطاع الكهرباء المزمن فلا يتأففون منها. ولا يمكن السؤال عما إذا كان مناصرو حزب الله وحركة أمل غير معنيين بفقدان الأدوية، وبتعثر شركات التأمين وأوضاع المستشفيات والمختبرات، وبالوساطات في ملف اللقاحات ضد كورونا. كما لا يمكن إلا رصد ردود فعل القواتيين ومناصري تيار المستقبل، وكل من سبقهم، ومعهم لفيف الاساقفة وعلى رأسهم بكركي، وسكوتهم المخزي عن مسلسل الاحتيال المستمر لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، وآخر حلقاته إعطاء المودعين «مكرمة» من ودائعهم. هؤلاء جميعاً، محازبو هذه القوى، هم الناخبون الحقيقيون الذين كانوا أمس يقفون ساعات على محطات المحروقات ويفتشون عن أدوية، وهم الذين تريد دول مهتمة بإحداث تغيير سياسي في لبنان أن يكونوا أداة التغيير في الانتخابات النيابية المقبلة.
مشهد الأيام الأخيرة أمام المحطات وفي الصيدليات الفارغة والمختبرات المتوقفة عن العمل مشهد انتخابي حقيقي، وبروفا صافية لاستحقاق عام 2022، لأنه يعبّر فعلاً عن شريحة تذعن بكل هدوء لما يمارس في حقها. والأرجح أنها ستعيد إنتاج الطبقة السياسية نفسها. لكن في مقابل كل ذلك، هناك ثابتة يتحدث عنها العاملون في القوانين الانتخابية وحيثيات الانتخابات، هي أنه حين تتضافر عوامل الانهيار المالي والاجتماعي والاقتصادي، لا يبقى أمام الناس، أو الناخبين، سوى التقوقع مذهبياً وطائفياً، ومن ثم عائلياً وعشائرياً وقبلياً. وهذا تماماً ما يجري حالياً، وتعوّل عليه القوى السياسية، نتيجة ما توصلت اليه في الاشهر، لا بل الأسابيع الأخيرة التي تضاعفت فيها مؤشرات «القمع» الاجتماعي والاقتصادي، من دون أي ردود فعل.
وبحسب سياسيين، فإن تصرف القوى الحالية، ولا سيما تلك الموجودة في السلطة فعلياً، يقوم على مراكمة أساليب الضغط من دون السماح له بالوصول الى مرحلة الانفجار، كما يحصل مثلاً في تقنين الكهرباء القاسي لأسابيع، وفجأة يحدث اتفاق على خرق موضعي، يسحب فتيل أي انفجار شعبي في وجه المسؤولين عن قطاع الكهرباء، ولو لم يتخذ إجراء جذري. كذلك الأمر في قطاع المحروقات والادوية والمستشفيات وأموال المودعين، الذين فرحوا لقبض 400 دولار فقط من مدخراتهم، ونسوا ما تبقى منها، ورفع الدعم تدريجاً، أي إيجاد حلول مرحلية وموقتة تبقي اللبنانيين مخدّرين، فلا تتكرر ردود الفعل الشعبية لعام 2019. وتستفيد هذه القوى من استثمار «حزبي» لمصلحتها، في ضخ الاموال من جانب الجمعيات الاغاثية والمساعدات الاغترابية والعاملين في الاغتراب الخليجي والغربي الذين يأتون لبنان صيفاً ويصرفون أموالاً فيه، ما يسهم في بعض مظاهر «الازدهار» المصطنع، وتلقائياً سحب ذرائع الانفجار الذي كان يفترض أن يكون محتماً منذ أشهر.
كل حساباتها الانتخابية قائمة على العصبية، وحتى الآن يبدو أنها تحقق فوزاً في إعادة الناخبين الى زمن القبائل والعشائر والمذاهب، من أجل ضمان أصواتهم في صندوق الاقتراع.