أصوات اعتراض متفرّقة تأتي عبر مواطنين يعيشون في أكثر من زاوية من زوايا العاصمة بيروت. فالمياه مقطوعة منذ أيام. ليس الأمر مفاجئاً، لأن سكّان بيروت، ولأسباب كثيرة، اعتادوا انقطاع المياه الآتية من مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان. والأسباب تتنوّع، لأن البنية التحتية لإيصال المياه إلى العاصمة، مترهِّلة. ولذلك، قد يحصل أي عطل في الشبكة ومحطات الضخ، أو يحصل طارىء ما. فتكون النتيجة، انقطاع المياه وزيادة فاتورة مياه الصهاريج على كاهل السكّان.
محطة ضخّ المياه بلا كهرباء
على عكس العطل الذي أصاب خط ضخ المياه الرئيسي الذي يغذَي بيروت، في نهاية حزيران 2022، اختلف سبب انقطاع المياه عن العاصمة في حزيران الجاري. فالخطب هذا العام يعود إلى انفجار حصل منذ أيام في محطة كهرباء معمل الزوق، فتسبَّبَ بانقطاع الكهرباء عن محطة مياه ضبية التي تغذّي بيروت وبعض مناطق المتن. ومع أن فرق الصيانة في مؤسسة كهرباء لبنان باشرت عملها لتطويق الحادث ومعالجة تداعياته، إلا أن الكهرباء بقيت مقطوعة عن محطة المياه. أي أن المياه بقيت متوفّرة، لكن لا طاقة لضخّها إلى الخزانات، ومنها إلى الشبكات الموزِّعة.
لم يستغرب سكّان العاصمة انقطاع المياه. فسارَعَ مَن شحّت لديه المياه، إلى الاستعانة بالصهاريج التي تحوَّلَت على مدى سنوات من حلٍّ استثنائي إلى الوسيلة شبه مستدامة للتزوُّد بالمياه، وتحوَّلَت مياه الدولة إلى استثناء. وعليه، ارتفعت الأصوات اعتراضاً على تكرار الأزمة، بغضِّ النظر عن سببها الآني. فإن كان انقطاع الكهرباء هو السبب راهناً، فالعام الماضي تضرَّرَ خط الضخّ الرئيسي بسبب الاهتراء والأخطاء الفنية وتأخُّر الاتفاق مع المتعهِّد على إصلاحه، بسبب عدم توفُّر الاعتمادات المالية بالدولار.
مع ذلك، سارعت مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان لإعلان عدم مسؤوليّتها عن انقطاع المياه. وشرحت أن انقطاع الكهرباء هو السبب. إذ أدى إلى عدم ضخ المياه من محطة الضبية الرئيسية إلى الخزانات الرئيسية التي يتفرّع منها ضخ المياه نحو المناطق. أما المناطق الأكثر تضرراً فهي الأشرفية وتلة الخيّاط وبرج أبو حيدر وساحل ووسط المتن.
ومع عودة الكهرباء تدريجياً، بدأت المياه تسلك طريقها بالتتابع بدءاً من نهار اليوم، ومن المفترض أن تنتهي الأزمة بحلول يوم غد، لتعود الأمور إلى “طبيعتها”، أي إلى التفاوت المعتاد في توزيع المياه، وإلى انقطاعها المفاجىء وعودتها المفاجئة. ووسط هذه الفوضى، تتنقَّل صهاريج المياه بين حيٍّ وآخر من دون توقُّف.
غياب الحلول المستدامة
المسألة الأساسية في ملف المياه هي تجذُّر الأزمة وإصابتها للبنية التحتية التي يستحيل إصلاحها في الظروف السياسية والاقتصادية الحالية. ولهذا السبب، تعيش مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان على ما تقدّمه منظّمات المجتمع الدولي من مساعدات، عبر برامج تمويلية تتراوح بين الهبات والقروض. وتتولّى منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) حالياً رفد قطاع المياه بالتمويل، ويحظى خط الضبية بقدر يسير من المساعدة، من دون إحداث فارق كبير في الصورة العامة لعملية التزوُّد بالمياه. فالمشاريع المموَّلة لا تطال تغيير شبكة جرّ المياه التي يفوق عمرها الـ50 عاماً، الأمر الذي يقلِّص فرص نجاح أي مشروع يتعلَّق بتطوير عملية إيصال المياه إلى المستهلكين، بأكثر من 50 بالمئة.
بالتوازي، غياب التمويل الكافي لدفعه للمتعهّدين بالدولار النقدي، يقلّل فرص إجراء الصيانة والتغييرات المطلوبة لضمان وصول أكبر قدر من المياه، وبأفضل صورة ممكنة. ما يعني أن بيروت وغيرها من المناطق، أمام احتمالات مفتوحة لتكرار أوجُه أزمة المياه. ولهذا السبب، على مصالح المياه في جميع المناطق، العمل مع الحكومة والوزارات المعنية ومع البلديات والمجتمع المحلّي، لتأمين الحلول المناسبة، بدءًا من تغيير شبكة الجرّ والتوزيع، وصولاً إلى تطوير مصادر التغذية بالمياه وتأمين الطاقة، عبر اعتماد مصادر متجددة ومستدامة، عوض انتظار معامل مؤسسة كهرباء لبنان.