عائدات المرفأ تراجعت 12.8% في النصف الأول من 2019

كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: الإنكماش الإقتصادي، تراجع الطلب وانخفاض الإستهلاك، عوامل ظهرت في أرقام مرفأ بيروت في النصف الأول من العام الحالي، حيث تراجعت عائدات المرفأ بنسبة 12.8 في المئة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. كما انسحب التراجع على وزن الشحنات وعدد السفن الراسية، وهو ما سينعكس بالتأكيد على عائدات خزينة الدولة في نهاية العام. هذا الوضع يترافق مع فوضى منظمة في المرفأ، وغياب الرقابة والقدرة على المحاسبة في عمل “اللجنة الموقتة” لإدارته، والتي تحولت مع الزمن الى دائمة تتقن إبرام عقود التراضي بعيداً من أخذ مصلحة الدولة بالاعتبار. واقعٌ وعد رئيس الحكومة سعد الحريري في جولته الأخيرة بتغييره والدخول في مرحلة جديدة عنوانها الشراكة أو الخصخصة للإستفادة القصوى من هذا المرفأ الحيوي. فهل يكون الخلاص بالخصخصة أو تكون الأخيرة مجرد غطاء لاستمرار الفوضى وتفويت الأموال على الدولة… لا سيما في ظل ما تسلط “نداء الوطن” الضوء عليه من صفقات مالية تمت تحت عباءة “اللجنة الموقتة” وهي تقدّر بمئات ملايين الدولارات، فضلاً عن عقود التراضي وعمليات التهرّب الجمركي التي تفوّت ملايين الدولارت على الخزينة.

فالحقيقة التاريخية عن أهمّية مرفأ بيروت وما يشكّله من مركز التقاء للقارات الثلاث: أوروبا، آسيا وأفريقيا، واعتباره إحدى أهم المحطات التجارية مع الدول العربية، يناقضها ما يصدر من أرقام تتراجع سنة بعد أخرى. وهو ما يفوّت على الخزينة مورداً مالياً مهماً، وعلى الإقتصاد قدرات كامنة غير مستغلة. وفي الوقت الذي تعتبر فيه الموانئ حجر الزاوية في الإقتصاديات المتطورة، يستمر هذا المرفق بالتمزق والتشلّع نتيجة التجاذبات السياسية والمحميات الطائفية والمحسوبيات والزبائنية، بعيداً من كل أشكال القوننة والترشيد والترشيق، التي من المفترض أن يعمل مثل هكذا مرفأ على أساسها.

إذاً، تراجعت عائدات مرفأ بيروت في النصف الأول من العام الحالي بنسبة 12.8 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي، محققةً 108 ملايين دولار مقارنة مع 125 مليوناً، في الاشهر الستة الاولى من العام 2018.

هذا التراجع في الإيرادات، والذي تظهره الأرقام الصادرة في التقرير الأخير لـ “بنك بيبلوس”، يقابله تراجع في عدد الشحنات وحجمها، وفي عدد السفن التي رست في الميناء. ففي الوقت الذي بلغ فيه وزن الشحنات التي مرت عبر المرفأ في النصف الاول من العام 2018 ما قدّر بـ 3.9 ملايين طن، لم تتجاوز الـ 3.5 ملايين في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، مسجلة تراجعاً بنسبة 10.4 في المئة. وقد قسمت الشحنات بين 3.1 ملايين طن أو ما نسبته 88.7 في المئة للمستوردات، فيما بلغ حجم الصادرات حوالى 400 الف طن مشكلة 11.3 في المئة من مجمل وزن الشحنات. هذا ورست في المرفأ 861 سفينة شحن بانخفاض نسبته 6.4 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي حيث رست 920 سفينة.

وإذا كان التراجع يبرر بحالة الجمود الاقتصادي، إلا أن ما هو غير مبرر استمرار الفوضى في مرفأ بيروت، وعدم تحويل إيرادات مالية تذكر للخزينة. “فبالرغم من إنعكاس الانكماش الاقتصادي على عمل المرفأ فإن التهرب الجمركي يفوّت على الدولة مبالغ طائلة”، يقول عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب زياد الحواط، ويضيف أن “المرفأ يحتاج الى تغيير الإدارة، وإدخال القطاع الخاص. وذلك كي نضع القطاعات الانتاجية في المكان الصحيح وتستفيد الدولة من مداخيله. وبالرغم من الضرائب الكثيرة المفروضة في المرفأ، نلاحظ تراجع مدخول الدولة. وهو ما ينعكس على الخزينة وعلى القدرة التنافسية لموانئنا”.

تراجع التحويلات الى خزينة الدولة يعود بحسب منسق المرصد اللبناني للفساد شارل سابا الى “قيام اللجنة الموقتة لإدارة المرفأ غير الشرعية والمنتهية الصلاحية، الى الإستفحال في إبرام عقود الصيانة والتنفيذ والدراسات بالتراضي. حيث لا يعرف وضع هذه اللجنة القانوني، ويغيب عنها مراقب عقد النفقة الموجود في المؤسسات العامة ولا قدرة لوزارة المالية على مراقبة عملها وأرقامها. وهو ما سمح لها بانفاق ملايين الدولارات على صفقات من دون حسيب أو رقيب. ومن أبرز الصفقات المعقودة والمشكوك بصحتها: صفقة لردم الحوض الرابع بقيمة 130 مليون دولار فيما الكلفة الفعلية المقدرة هي بحدود 40 مليون دولار. وبعد افشال الصفقة وتعويض مجلس الوزراء على المتعهد، أعيد الحديث عن تلزيم بقيمة 270 مليون دولار. شراء الرافعات الجسرية العملاقة بقيمة 54 مليون دولار، فيما كلفتها الحقيقية هي 18 مليون دولار. اتفاق مع شركة الهندسة “خطيب وعلمي”، بمليون دولار لتطوير المرفأ. دراسة بقيمة 100 الف دولار لصالح محطة الحاويات. تأمين مع “ميدغلف” بـ 3 ملايين دولار…”.

هذا الوضع الشاذ المعروف من الجميع استدعى زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري أخيراً، وإطلاق مواقف جريئة عن الشراكة مع القطاع الخاص أو الخصخصة والتخلص من عمل “اللجنة الموقتة”. كلام مشجع لكنه يثير مخاوف المراقبين والمعنيين بمواضيع الفساد بأن نكون ننتقل من حالة فساد إلى حالة أخرى. “فالعودة الى المرفأ بهذا التوقيت سببه انتهاء عقد شركة BCTC التي تشغل محطة الحاويات في نهاية العام، والتي تحولت مع الوقت لتشكل 80 في المئة من عمل المرفأ. وكما العادة التزمت اللجنة اعداد دفتر شروط تشغيل محطة الحاويات بالتراضي بقيمة 600 الف دولار. وهذا ما يعطي الجهة المعدة لدفتر الشروط القدرة على تركيب ما تريده لمصلحة المتعهد المتفقة معه، كمقدمة لتسليم المرفأ لهذه الشركة”، يقول سابا.

إلا أن المشكلة الأساسية تكمن في أن هذه الشركة (BCTC)، التي بدأت العمل في العام 2001 تخالف العقد بينها وبين المرفأ. ففي الوقت الذي تنص مسؤوليتها على شراء الرافعات الجسرية، قامت “اللجنة الموقتة” بشرائها لحسابها. هذا وتوسعت قدرتها من دون مناقصة على الرصيف 16 بعد توسيعه من 300 متر الى 600، واعطيت مساحات هائلة للتخزين. مما سمح لها بترخيص اسعارها لمصلحتها بعيداً من مصلحة الدولة والخزينة.

أمام ما يجري من هدر وفساد لم يعد مستغرباً إنخفاض عائدات الدولة من مرافئها الشرعية، إنما الغريب هو استمرار سياسة المقاسمة والمحاصصة في ظل هذه الظروف الصعبة، وتحميل المواطنين الحمل الأكبر، من خلال الضرائب والرسوم وتفشي البطالة والدفع باتجاه ترك الوطن والهجرة.

مصدرالوكالة الوطنية
المادة السابقةبعد انهيار العملة السورية.. خبير يقترح حلا يعود للثمانيات لدعم الليرة
المقالة القادمةالوكالة الدولية للطاقة المتجددة تعلن دعمها الكامل للبنان