«عاجزون» عن الزواج: إلى «المساكنة» مع الأهل؟!

لم تسلم تكاليف «القفص الذهبي» من نيران الأزمة الاقتصادية التي دفعت كثيرين من المُقبلين على الزواج إلى تأجيل «الفكرة»، أو حتى إلغائها. وعليه، يعود خيار سكن الزوجين مع الأهل إلى الواجهة كبديل «شبه وحيد» للمصمّمين على الارتباط بالرغم من تحذير الاختصاصيين بأن هذا الخيار قد لا يصمد لأكثر من ثلاثة أشهر. وفيما يتزامن تراجع معدلات الزواج مع تراجع معدلات الإنجاب، ترتفع الهجرة النهائية في صفوف الشباب، ما يؤدي إلى تغيير في الهرم السكاني وزيادة التعمّر التي تعطّل التنمية الاقتصادية وتترك أعباء مادية ثقيلة على المجتمع اللبناني

في دراسة لـ«الدولية للمعلومات»، استناداً إلى أرقام المديرية العامة للأحوال الشخصية، يتبيّن تراجع معدلات الزواج عام 2020 بنسبة 13.5% مقارنة بعام 2019، و17.9% مقارنة بمتوسط الأعوام الخمسة الأخيرة (2015 – 2019). وهذا «طبيعي جداً»، وفق مسؤولة الدراسات في «مركز أمان للإرشاد السلوكي والاجتماعي» سحر نور الدين. «فالمجتمع اللبناني يعيش صدمة الانهيار الاقتصادي وجائحة كورونا، لذا يعيد التفكير في اتخاذ قرارات مصيرية كالزواج، كما لا يبدو في الأفق أمل بالتغيير في المدى المنظور، ما يزيد من حالات اليأس وفكّ الارتباطات».

ولعلّ ما يزيد صعوبة الخطوة، هو «ارتباط تكوين الأسرة بالحاجة الاقتصادية الكبيرة وبرفاهية معينة تستلزم تكاليف باهظة»، وفق عضو مختبر الأنثروبولوجيا في مركز أبحاث معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية ليلى شمس الدين، مُشيرةً إلى «عوامل أخرى تتداخل مع العامل الاقتصادي»، أهمها «الصورة النمطية للزواج في الإعلام الجماهيري المحلي والوافد: علاقة معقّدة تتطلب تحمّل مسؤولية مرهقة». بالتوازي مع «تخويف الشباب من فشل الزيجات والوقوع في مشاكل الحياة الزوجية وصعوباتها»، لا تنكر شمس الدين وجود أزمة اقتصادية تخلق تحديات أمام الشباب المقبلين على الزواج، لكنّ «العالم الرقمي الذي نعيش فيه يخلق رغبات جديدة ويرفع مستوى طموحاتنا. فارتبط تكوين الأسرة بحاجة اقتصادية كبيرة وبرفاهية معينة تفرض تكاليف باهظة».

الباحث المتخصّص في علم اجتماع الأسرة زهير حطب يؤكد أنه رغم أن خيار السكن مع الأهل بات «ربما الخيار شبه الوحيد المتاح»، إلا أن التجارب أثبتت حديثاً أن هذا الخيار يفشل «ولا يصمد لأكثر من ثلاثة أشهر. إذ سيرفض الشاب، الزوج أو الزوجة، الذي اعتاد الاستقلالية تدخلات الأهل بخياراته والضغوطات التي سيفرضونها عليه».
«مركز أمان»، من خلال سلسلة دراسات يعدّها، يعمل على تشجيع ما يمكن تسميته بالمساكنة… مع الأهل، وذلك عبر «إحياء هذا النموذج القديم تدريجياً، من خلال منظومة اجتماعية وقيمية تساند هذا الحل من دون الوقوع في مشاكل زوجية ونزاعات بين الحمى والكنّة». إلا أن هذه الجهود، على أهميتها بالنسبة إلى الساعين فيها، تبقى قاصرة عن معالجة التحديات التي تطاول شكل الأسر «المُستقلة» نفسها.

الجدير ذكره أن تراجع معدلات الزواج يتزامن مع تراجع في معدلات الولادة التي سجّلت عام 2020 انخفاضاً بنسبة 14.5% مُقارنة مع عام 2019 وبنسبة 16,2% مقارنة بمتوسط الأعوام الخمسة الأخيرة (2015 – 2019). وبحسب حطب «تراجع معدل الإنجاب من 3.2 للأسرة الواحدة قبل سنتين إلى 2 اليوم، وهو معدل الإحلال الديمغرافي، بمعنى أنه كل طرف ينجب فرداً واحداً يحلّ مكانه بعد وفاته». وهذا يؤدي إلى «تحوّل الهرم السكاني من هرم فتيّ إلى هرم يغصّ بكبار السن، وبالتالي زيادة التعمّر، التي تعطّل التنمية الاقتصادية وتترك أعباء مادية ثقيلة على المجتمع اللبناني».

مصدرجريدة الأخبار - زينب حمود
المادة السابقة“الطاقة” تزرع فشل الخطط والمواطنون يحصدون العتمة الكالحة
المقالة القادمة“الأونلاين بزنس”… مستقبل واعد