في 21 كانون الثاني 2019، أقدمت وكالة «موديز» على خفض تصنيف لبنان الائتماني الى درجة الـ (C)، وبعد مرور 40 يوما أصدرت «ستاندرز اند بورز» تقريرها وأبقت تصنيفها على درجة الـ(B). تنفّست الفئة التي تدرك مخاطر وصول البلد الى درجة الـ(C) الصعداء، وباتت في حال انتظار لتقرير الشركة العالمية الثالثة، «فيتش».
ومن المعروف انّ تثبيت التصنيف الائتماني لأيّ دولة يحتاج الى 2 من 3. بمعنى انه اذا اختلفت التصنيفات بين الشركات الثلاث، فإنّ التصنيف «الرسمي» هو الذي تُجمع عليه شركتان من أصل ثلاث. وهكذا يكون تصنيف لبنان معلّقاً (Pending) حالياً، ولا يزال تصنيف (B) هو المعتمد بانتظار أن تقول «فيتش» كلمتها.
في 21 آذار، أصدرت «فيتش» تقريرها حول التصنيف الائتماني لمصر ورفعته الى (B+). وقد جاء التصنيف الجديد في اطار متابعة تنفيذ خطة الاصلاح المالي والاقتصادي التي وضعتها السلطات المصرية، وتقضي بخفض العجز تدريجاً في الموازنة واستدامة النمو في حجم الاقتصاد. وقد نجحت مصر خلال 2018 في تحقيق أعلى معدل نمو في الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
أدّى صدور تقرير «فيتش» عن مصر الى حال من القلق لدى متتبّعي الوضع في لبنان، من احتمال اقتراب موعد إصدار الوكالة لتقريرها عن لبنان. ومصدر القلق ليس فقط لأنّ كلمة «فيتش» ستقرّر إمّا بقاء لبنان في فئة الـ(B)، أو هبوطه الى درجة الـ(C)، إنما أيضاً لأنّ توقيت إصدار التقرير وفي حال حصل في هذا الوقت، قد يرجّح أن تُقدِم الوكالة على خفض تصنيف لبنان الى درجة (C) على غرار «موديز».
وفي هذا الوضع ستكون الكلفة على الاقتصاد اللبناني المُنهك أصلاً، باهظة جداً. وستؤدّي الى ضغوطات اضافية على المصارف اللبنانية والى ارتفاع اضافي في اسعار الفوائد.
ولا ينفع في هذا الوضع، أن يتمّ التشكيك من قبل خبراء لبنانيين بمصداقية قرارات وكالات التصنيف العالمية الثلاث، لأنّ الموضوع لا يرتبط برأي اللبنانيين، ولا حتى بواقع اذا كان التشكيك في مصداقية الوكالات في محله أم لا، بل بردّة فعل المستثمرين والمؤسسات المالية الدولية.
وهؤلاء يتفاعلون على اساس انّ تقارير وكالات التصنيف واقعية وعلمية وتعكس الحقائق. وبالتالي، يتعاطى كل هؤلاء مع التصنيفات الائتمانية على أنها المرجع شبه الوحيد لكيفية التعامل مع ائتمان الدول.
في المعلومات، انه حتى الان لا يوجد أي وفد من قبل «فيتش» يستطلع الاوضاع في لبنان لإعداد تقرير، ولا توجد اتصالات لتحديد مواعيد لوفد محتمل. لكن ذلك لا يعني انّ التقرير لن يصدر بشكل مفاجئ، ومن دون إرسال فريق استطلاعي الى لبنان.
وهذا ما فعلته «موديز» على سبيل المثال، عندما قررت خفض تصنيف لبنان الى (Caa1)، على عكس «ستاندرز اند بورز» التي أوفدت فريقاً الى بيروت اطّلع على الوضع، وقابل المسؤولين الماليين والاقتصاديين. وبنتيجة الجولة، أصدر تقريره الذي أبقى على تصنيف لبنان (B-).
لكن ما هي العوامل التي قد تدفع «فيتش» الى اعتماد تصنيف (C) على غرار «موديز»، وليس (B) كما فعلت «ستاندرز اند بورز»؟
النقطة الاساسية في هذا الموضوع ترتبط بالتوقيت، إذ عندما قررت موديز خفض تصنيف لبنان، جاء ذلك قبل تشكيل الحكومة، وبعد تصريحات أُسيء فهمها لوزير المالية حول جدولة الدين العام. وكان المناخ في البلد سوداوياً، والأفق شبه مسدود.
في المقابل، عندما أبقت «ستاندرز اند بورز» على تصنيف لبنان ثابتاً بعد 40 يوماً فقط على تصنيف «موديز»، كان المناخ قد انقلب رأساً على عقب، على المستوى النفسي على الأقل، إذ تشكّلت الحكومة، وتوقف الضغط على السندات اللبنانية في الاسواق، وهدأت كلفة التأمين (CDS) على اليوروبوند ثم تراجعت، وسادت اجواء متفائلة في شأن البدء بتنفيذ برنامج إصلاحي يعيد المالية العامة الى سكة التصحيح، ويخفّض مستويات السرقة والهدر في المال العام.
هل هذا المناخ تغيّر اليوم، بعد مرور حوالى 25 يوما فقط على تقرير «ستاندرز اند بورز»؟
الجواب، نعم واضحة. الضغط على اسعار السندات عاد الى الاسواق. وتيرة خروج الاموال ارتفعت مجدداً. كلفة الـ (CDS) ترتفع. اسعار الفوائد ارتفعت هي الأخرى، وهي مرشّحة للارتفاع أكثر. مناخ التفاؤل بتغيير نهج الحكم تضاءل ليسود مجدداً مناخ التشاؤم واليأس والاحباط.
أرقام العجز المقدّر والتي تبدو مرتفعة في موازنة لم تصدر بعد رغم مرور ثلاثة اشهر من بدء العام 2019، كل ذلك يقود الى الاعتقاد انه اذا ما قررت «فيتش» ان تصدر تقريرها عن لبنان في هذا التوقيت بالذات، ستكون احتمالات خفض التصنيف الى (C) قائمة بقوة.
وللتذكير، الهبوط الى درجة (C) ليس أمراً عادياً يمكن التعامل معه ببرودة. ولتقدير حجم الضرر والمخاطر، يكفي أن نعرف انّ لبنان انضمّ الى نادي الدول الست في العالم التي تحظى بتصنيف (C) (راجع الجدول) في حين انّ كل دول العالم الثالث والمتخلّف التي يتم تصنيفها، لا تزال ضمن لائحة الـ(B)، مع استثناء دول وصلت الى مرحلة الافلاس مثل فنزويلا.