أقفلت..فتحت..فتحت…أقفلت. والمقصود هنا ليس وردة البنفسج التي يتلهى بها الكبار قبل الصغار، إنما عن الدوائر العقارية في جبل لبنان. قصة إبريق الزيت بدأت في كانون الأول 2022 عندما أوقف القضاء اللبناني العشرات من موظفي أمانات السجل العقاري في دوائر بعبدا وعاليه والشوف والمتن وجونيه وجبيل، بعد ثبوت تقاضيهم منافع مالية وتحقيقهم مكاسب مالية طائلة لقاء إنجاز المعاملات. وتسببت الملاحقات في فرار آخرين من العدالة وملازمة باقي الموظفين منازلهم خوفاً من استدعائهم وتوقيفهم لاحقاً، ما أدى إلى إقفال الدوائر المذكورة بشكل كلّي، وأثر سلباً على إيرادات الخزينة، إلا أن أكثر المتضررين من إقفال هذه الدوائر، هم من المقاولين والمواطنين.
الإعلان (الموقت) عن استئناف العمل في دوائر جبل لبنان العقارية، لا يعني فتح الدوائر أمام المراجعات، ولا تسهيل مهمة من يرغب في تسجيل منزل أو مؤسسة في الوقت الراهن، لأن الأولوية تبقى للملفات المكدّسة منذ ما قبل الإقفال في ظل النقص في عديد الموظفين الذين ألزموا البقاء في منازلهم. لكن إنفاذا لقرار مجلس الوزراء الذي أجاز لوزارة المال تمكين عدد من موظفي العقارية في جبل لبنان من العودة إلى عملهم، عاد العمل في شهر آذار الماضي إلى الدوائر لكن بهدف إنجاز الملفات المتراكمة حصرا.
فرحة العودة لم تطل، إذ عادت الدوائر العقارية في جبل لبنان وأقفلت أبوابها ” مكبدة الخزينة خسائر تقدر اليوم بحوالى 250 مليون دولار بعدما كانت وصلت نهاية العام 2020 إلى 120 مليون دولار” يقول رئيس “حركة الأرض” طلال الدويهي، ويوضح لـ”المركزية” أن ” أسباب الإقفال كما بات متداولا ترتبط بملاحقات قضائية لعدد من الموظفين على خلفية شبهات فساد بناء على إشارة المحامي العام الإستئنافي في جبل لبنان سامر ليشع. هذا في الظاهر. أما ضمنا فالواضح أن المسألة أكبر من حجم فساد وهي تتعلق بتغيير الديمغرافيا تحت ستارة التعطيل”.
ويضيف” 70 موظفا في عداد المتهمين “بالفساد وقبض رشاوى” ، يقول الدويهي، 15منهم صدرت بحقهم مذكرات توقيف غيابية وبالتالي لا يحق لهم العودة لمزاولة عملهم، والمفروض في الحالات الطبيعية أن يسلموا أنفسهم إلى القضاء. لكن الأكيد أن الجهات التي كانت تحمي هؤلاء الموظفين خلال ممارسة”جرائمهم” العقارية من قبض رشاوى وإجراء معاملات بيع غير قانونية، هي التي تولت عملية إخفائهم أو تهريبهم وبالتالي إقفال ملفاتهم إلى غير عودة. وهذا الواقع العائم على الفساد ينطبق على حوالى 56 موظفا كانوا متوارين عن الأنظار بعد تغيبهم عن العمل لأكثر من 15 يوما فاعتبروا بحكم المستقيلين”.
ويستغرب الدويهي عدم ملء الشواغر حتى اللحظة “كلن 70 موظف ويمكن تأمينهم من خلال إجراء دورة لحوالى 80 أستاذا يشكلون عبئا على المدارس الرسمية وهي لا تتطلب أكثر من شهرين ، يصار بعدها إلى تعبئة المراكز التي شغرت بفعل توقيف الموظفين المتهمين بالرشوة، أوتتم الإستعانة بعديد الموظفين الذين يشكلون فائضا في عدد كبير من الوزارات. هلقد القصة سهلة. لكن المسألة لا تتوقف على أسباب تقنية إنما سياسية وديمغرافية بامتياز”.
بعد مرور عامين على استمرار إقفال الدوائر العقارية في جبل لبنان بات الشك يقينا بحسب الدويهي” القرار سياسي وليس قضائيا” والمطلوب محاسبة الفاسدين وليس استمرارتعطيل العمل في الدوائر العقارية في جبل لبنان حصرا واستئناف العمل في باقي الدوائر العقارية، علماً أن محافظة جبل لبنان تشكل مركز الثقل الاقتصادي، حيث ترتفع أسعار العقارات فيها، مقارنة مع باقي المناطق. وهذا ما يؤشر إلى أن الهدف من تعطيل عمل الدوائر في جبل لبنان تغيير هوية الأرض”.
بالتوازي يلفت إلى أن هناك 40 مليون متر مربع مسجلين بأسماء أجانب بطرق أحتيالية كمثل بيوعات وتنازلات وعقود بيع ممسوحة أو حصص بموجب أسهم في الشركات العقارية بدليل أنه عند الكشف عن إسم المالك للعقار في الجريدة الرسمية يتبين أنه لا يزال مسجلا بإسم المالك الأساسي وليس الذي اشتراه بالتحايل على القانون. ويشير إلى أن قانون المهل الذي صدر يسمح بتمديد عقد البيع الممسوح لثلاث سنوات جديدة ولأكثر من مرة وقد تصل إلى أربع أو خمس مرات بحسب الواسطة”.
صرخة الدويهي لم تخترق بعد آذان النواب ووزراء كسروان وجبيل والمتن الجنوبي حيث تتم البيوعات عند كتاب العدل وفق محاضر”بيع بتّ” على أن يصار إلى تسجيلها في الدوائر العقارية عند إعادة فتحها ومن دون أي تعديل وبذلك تكون الصفقة تمت من دون حسيب ولا رقابة قانونية.
لكن المسالة أكبر من ذلك، “هناك عقل استراتيجي ضمن الدولة يعمل على خطة التغيير الديمغرافي من خلال الإستمرار في إقفال الدوائر العقارية في جبل لبنان وتمرير بيوعات تتضمن مخالفات قانونية تكون لصالح لبنانيين من المكون الشيعي وأجانب من الجنسيتين السورية والفلسطينية.و ما يحصل اليوم سواء في دوائر جبل لبنان العقارية أو مصلحة تسجيل السيارات ليس بسبب الفساد إنما هناك مخطط لتغيير هوية الأرض وسواء أحرقت كل السجلات أو بقيت في الأدراج حتى يأكلها العفن لا شيء سيغير من واقع سحب الأرض من سجلات أصحابها. والحل يبدأ أولا بانتخاب رئيس للجمهورية وقيام نواب كسروان وجبيل والمتنين بتحرك فاعل، إذ لا يجوز لنائب منتخب من الشعب أن يكون عاجزا عن فتح دوائر عقارية بعد عامين و7 أشهر على إقفالها والسبب واضح مثل قرص الشمس” يختم الدويهي.