أدّت الأزمة الاقتصادية الى بوادر «ظاهرة» حلول لبنانيات محلّ الأجنبيات في قطاع العمالة المنزلية. لكن عدم شمول قانون العمل لهذا القطاع وغياب الحماية للعاملين فيه يبقيان على استغلال العاملات، سواء كن مهاجرات أم لبنانيات
قبل أيام، باشرت مريم (لبنانية تبلغ 32 عاماً من العمر) العمل في الخدمة المنزلية، «سرّاً»، لدى إحدى العائلات الميسورة في منطقة بعلبك. الأم لثلاثة أطفال لا تريد أن يُقال في الحي إن زوجة العسكري (في الجيش اللبناني) تعمل «صانعة» في بيت يبعد عن بيتها عشرات الأمتار، رغم أنها مُضطرة إلى العمل لأن ثمن دواء والدة زوجها (700 ألف ليرة) يتجاوز نصف المدخول الشهري للعائلة، بعدما بات تأمينه متعذّراً عبر المُستشفى العسكري بسبب الأزمة. تقول إنّ صاحبة العمل «اصطادتني» بعدما شاهدت زوجها يسأل صاحب «إكسبرس» مجاور عن حاجته إلى موظفة بدوام جزئي، قبل أن تعرض عليها العمل لديها بدوام كامل مقابل 900 ألف ليرة شهرياً.
حال مريم من حال عشرات من السيدات اللواتي لجأن أخيراً إلى العمل في الخدمة المنزلية. وقد راجت، منذ مدة، حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى تشجيع العمالة اللبنانية في الخدمة المنزلية تحت شعارات «دعم المرأة اللبنانية»، عبر توظيف سيدات لبنانيات في تنظيف البيوت والمكاتب، في وقت تشير فيه التقديرات إلى أنه، حتى نيسان الماضي، استقدم لبنان 600 عاملة منزلية مهاجرة بعدما كان هذا الرقم يناهز الـ 17 ألفاً شهرياً. وفي ظلّ تعاظم الانهيار وتهاوي سعر الصرف، فإنّ أرقام الاستقدام مرشّحة لمزيد من التراجع.
ووفق منظّمة العمل الدولية، فإنّ كثيرين من أصحاب العمل لم يعد بإمكانهم تحمّل أعباء توظيف عاملة منزل مهاجرة بدوام كامل، وأن كثيراً من العاملات المهاجرات لم يعد من مصلحتهن البقاء في لبنان لتعثر حصولهن على أجر بالدولار وبسبب غلاء المعيشة، «إلّا أنّ الحاجة إلى رعاية الأطفال والمسنّين والأشخاص المعوّقين لا تزال قائمة»، بحسب منسقة العمالة المهاجرة في المنظمة زينة مزهر، مشيرة الى أنه «في غياب سياسات عامة لمأسسة هذه الخدمات ضمن رؤية اقتصادية اجتماعية، يتعزز الخطر بأن تزيد الأزمة الاقتصادية من العمل الجبري ومن هشاشة وضع عاملات المنازل المهاجرات».
رئيس نقابة أصحاب مكاتب الاستقدام في لبنان علي الأمين قال لـ«الأخبار» إنّ «النظرة الدونية للعمل المنزلي لا تزال تُشكّل عائقاً أمام إقدام كثيرات على هذا النوع من العمل»، لافتاً إلى أنّ «التحرّر من هذه النظرة مرتبط بمدى ازدياد الضغط الاجتماعي». واعتبر أنه لا يمكن حتى اللحظة اعتبار حالات الإقبال على العمل المنزلي من قبل بعض اللبنانيات «ظاهرة» قابلة للتعميم، «إلا أننا كمكاتب نرحّب بالطبع بأيّ طلب يصبّ في خانة توظيف يد عاملة لبنانية، وخصوصاً أن تعزيز هذه الأعمال إذا ما تم تكريسها كبديل توفّر على أصحاب المكاتب الكثير من المخاطر المرتبطة باستقدام العاملات المهاجرات».
من هنا، تأتي الخلاصة الأساسية التي تفيد بأن نزع القيمة الاقتصادية عن العمل المنزلي من شأنه أن يبقي على استغلال العاملات في القطاع، وأن إنصاف العاملات يبدأ بالاعتراف بأن عملهنّ هو عمل لائق وينتهي بتنظيم القطاع، وربط طالبي العمل بطالبي الخدمة ضمن شروط العمل اللائق، وتفعيل آليات المراقبة والمحاسبة لأن مخاطر الاستغلال باقية. ولعلّ المثال الأبرز على هذه المخاطر هو ما تبيّنه شهادة مريم وغيرها من العاملات ممن أفدن أنهن يعملن طوال الأسبوع من دون إجازات، وبدوامات تتجاوز الـ 11 ساعة يومياً!