عام الطوابير والعتمة: انفجار أزمة المحروقات واشتعال البلد

على متن رحلة الأسعار، شهدت المناطق اللبنانية كافة، طوابير السيارات أمام المحطات وانفلات السوق السوداء وتصاعد الإشكالات، التي تطوّرت من التلاسن إلى التضارب بالأيدي وصولاً إلى استعمال السلاح. وبالتوازي، كانت صهاريج التهريب تسلك طريقها نحو سوريا ليل نهار، ولا يعكّر صفوَ مسيرتها سوى بعض المداهمات الفلكلورية التي استخدمتها الدولة لإثبات وجودها المتلاشي. فأوقِفَت صهاريج وفُتِحَت مستودعات وخزّانات لم تفلح في رفد السوق بالكميات المطلوبة لتخفيف الأزمة. بل إن المعالجة العشوائية أدّت إلى حادثة انفجار خزان بنزين في عكار، أصيب خلاله أكثر من 100 ضحية بين قتيل وجريح.

ووسط التحولات الكبيرة في الأسعار، وعدم قدرة غالبية المواطنين على تأمين حاجتهم من البنزين، رأى وزير الطاقة السابق ريمون غجر أن ارتفاع أسعار المحروقات أمر لا بد منه، وحينها “المقتدرون سيدفعون سعر المواد”، ومَن لا يستطيع تحمّل الكلفة بعد رفع الدعم “ليس عليه استعمال سيارة البنزين، بل يستعمل شيئاً آخر”. وما على الناس إلا “التعوّد والاقتناع بأن الدعم سينتهي”.

حَسَمَ المازوت موقفه مبكراً، فأعلن بأنه لن ينزل السوق إلاّ بالدولار. ولأن المازوت يدخل في تحديد كلفة إنتاج الخبز، كان لرفع الدعم عنه أثرٌ مباشر في ارتفاع سعر ربطة الخبز وصولاً إلى 9500 ليرة، فضلاً عن خفض وزنها مراراً. على أن هذا السعر مرتبط أيضاً برفع الدعم عن مواد أخرى تدخل في صناعة الخبز، كالسكّر والخميرة وغيرها. علماً أن سعر بعض أنواع الخبز، كالخبز الأسمر، يصل إلى 15 ألف ليرة.

وتكاملت أزمة البنزين والمازوت لتهدد إيصال الخبز إلى المستهلكين في المناطق، إذ أعلن موزّعو الخبز عجزهم عن التوزيع ما لم تُرفَع نسبة عمولتهم، وامتنعوا عن تسلُّم الخبز من الأفران التي بدورها طالبت بحصّتها من الإضافة على السعر.

ولم تفلح اتفاقية شراء زيت الوقود العراقي واستبداله بالفيول المطلوب للمعامل، في زيادة ساعات التغذية لأكثر من ساعتين، لم يلحظها المواطنون بسبب توزيع التقنين بصورة عشوائية، إلى جانب الهدر في التوزيع. أما الحل الذي وجدته وزارة الطاقة، فهو انتظار تنفيذ إتفاقية استجرار الكهرباء من الأردن واتفاقية استجرار الغاز من مصر، حين يحصل لبنان على موافقة البنك الدولي على التمويل.

بالتوازي، حاولت المولّدات الخاصة ملء الفراغ، لكنها سقطت أمام شح المازوت ورفع الدعم عنه، فضلاً عن استحالة تشغيل المولّدات 24 ساعة متواصلة. فكان التقنين إلى حين تأمين المازوت بالدولار، ورفع وزارة الطاقة تسعيرة المولدات الخاصة التي تنقّلت من 687 ليرة لكل كيلواط ساعة، في شهر كانون الثاني 2021، إلى 1097 ليرة في شهر أيار. وفي النصف الثاني من العام، إنتقل سعر الكيلواط ساعة من 1326 ليرة في شهر حزيران، إلى 7100 ليرة عن شهر كانون الأول. وأجبَرَ الارتفاع في فاتورة المولّدات الكثير من المواطنين على الإستغناء عن المولّدات، تحديداً في المناطق التي يمتنع فيها أصحاب المولّدات عن تركيب عدادات، ويتقاضون تعرفة شهرية “مقطوعة” تتجاوز المليون ليرة، ويعمدون إلى التقنين لتوفير الأكلاف ومراكمة الأرباح. فكانت البطاريات وأنظمة الطاقة الشمسية هي الخيار الأنسب.

لم تكن هيئة أوجيرو وشركتيّ الخليوي تاتش وألفا، وكذلك شركات الإنترنت الخاصة، بمنأى عن نتائج دولرة أسعار المازوت وارتفاع أسعار الدولار عموماً. فشحّ المازوت ودولرته لاحقاً تسبّب بخروج محطات الإرسال من الخدمة، بسبب إطفاء المولّدات وانقطاع كهرباء الدولة. فتراجعت خدمات الاتصالات والإنترنت مع زيادة الضغط على المحطات التي ما زالت تعمل. فالهيئة وشركتيّ الخليوي، أعطوا أولوية تأمين ما توفّر من مازوت للمحطات الكبيرة التي تزوّد أكبر عدد من المشتركين، وتغطّي أوسع نطاق جغرافي، فيما المناطق الأخرى حاولت التقاط ما أمكَن من الإشارات.

 

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةكركي: لا زيادة للحد الأدنى للأجور بموجب التعميم 3508
المقالة القادمةسنة الدولار بلا منازع