عجز ميزان المدفوعات إلى مستويات قياسية.. ونزيف الدولار مستمر

يشير تقرير البنك الدولي الصادر أخيراً تحت عنوان “الكساد المتعمّد” إلى خطورة تراجع المبالغ النقدية الداخلة إلى لبنان. وبحسب التقرير فان التدفقات المالية ستتأثر سلباً بضعف القطاع المصرفي الذي يمثل القناة التقليدية لمثل هذه التحويلات، وبالتأثير العالمي لجائحة كورونا، وبتضرر قطاع السياحة بشكل خاص. حيث انخفض عدد السياح الوافدين بنسبة 71.5 في المئة على أساس سنوي خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2020، مقارنة بزيادة قدرها 5.5 بالمئة في نفس الفترة من العام 2019.

في المقابل، قاد التراجع في الميزان التجاري في العام 2020 بنسبة 4.4 في المئة سنوياً، بالمقارنة مع عجز بنسب تراوحت بين 23 و24 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية، الى التراجع في الحساب الجاري. إذ يظهر التقرير ان انخفاض الواردات السلعية بنسبة 50 في المئة أدى إلى انخفاض بنسبة 59 في المئة في عجز التجارة في السلع خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي. الأمر الذي من المتوقع ان يؤدي الى انكماش العجز في الحساب الجاري ليصل إلى 14.4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي أي بمقدار 7 نقاط مئوية. وذلك بالمقارنة مع متوسط كان يبلغ 22.8 في المئة من الناتج المحلي خلال الأعوام الممتدة من العام 2013 إلى 2018.

عضو المجلس الإقتصادي والإجتماعي د. أنيس أبو دياب يربط تراجع التدفقات النقدية الواردة بجائحة كورونا في الداخل والخارج، وانعدام الثقة بالمؤسسات اللبنانية. حيث تراجعت برأيه تحويلات المغتربين المباشرة “من حدود 7.9 مليارات دولار سنوياً إلى أقل من 4 مليارات هذا العام. أما الاقفال العام في لبنان والخارج، والخوف من فيروس كورونا فقد أدّيا إلى تراجع العائدات من القطاع السياحي في لبنان من حدود 7 و8 مليارات دولار سنوياً إلى نحو 2.3 مليار. هذا بالاضافة إلى عدم تحقيق الصادرات زيادة بأكثر من 150 مليون دولار بالمقارنة مع العام 2019”.

في المقابل استمر خروج العملة الصعبة من لبنان بكميات كبيرة. واذا كانت الواردات انخفضت بنسبة 50 في المئة فان تحويلات العمالة الأجنبية في لبنان بقيت خلال الأشهر الماضية مرتفعة، وقد جرى تمويلها من قبل مصرف لبنان عبر الصرافين بكميات تراوحت بين 25 و30 مليون دولار أسبوعياً. ومما فاقم من حدة الأرقام “تسديد مستحقات بعض المصارف للخارج في بداية العام الحالي”، يقول أبو دياب، “حيث كان يخرج من مصرف لبنان شهرياً كمعدل وسطي حوالى مليار دولار، تتوزع بين الدعم وتسديد مستحقات وخلافه. مما أدى إلى تراجع الإحتياطي والى شح كبير بالعملة الصعبة”.

في الوقت الذي قد يكون فيه تراجع التدفقات النقدية من السياحة والخدمات أمراً طبيعياً بسبب الجائحة، يعتبر رئيس فريق الأبحاث الاقتصادية في بنك بيبلوس د.نسيب غبريل ان “انعدام التدفقات النقدية سببه تعثر الدولة إرادياً عن سداد سندات اليوروبوندز في آذار العام الحالي، وعدم القيام بابسط الاصلاحات، التي منها على سبيل المثال تشريع قانون للكابيتال كونترول”. الأمر الذي رفع العجز في ميزان المدفوعات إلى مستويات قياسية غير مشهودة منذ أن بدأ مصرف لبنان بنشر أرقام “الميزان” في العام 1993. حيث وصل العجز في ميزان المدفوعات في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي إلى 9.6 مليارات دولار. وبرأي غبريل فان “هذا العجز المحقق يعاكس كل ما قيل عن ان التوقف عن دفع السندات بالعملة الأجنبية سيقلص العجز في ميزان المدفوعات. فالتعثر أدى إلى ردة فعل عكسية من الأسواق الخارجية وتوقف كلي لتدفق رؤوس الاموال، والتي كان منها على سبيل الذكر لا الحصر استبدال سندات اليوروبوندز عند استحقاقها، الذي كان يؤدي إلى دخول رؤوس أموال من الصناديق التي تحمل الشهادات”.

كما ان تقليص الاستيراد بنسبة 50 في المئة المترافق مع عدم القدرة على رفع الصادرات بنسب متوازية أثبت بالارقام عدم القدرة على ردم الفجوة الهائلة في العملات الأجنبية. وبالتالي فان مشكلة العجز في ميزان المدفوعات لا تعود بالضرورة الى النمط الريعي للاقتصاد الذي يطالب باستبداله باقتصاد الانتاج. وبحسب غبريل فان “مصر التي لديها نفس مستوى الواردات بالمقارنة مع الناتج المحلي مثل لبنان، ويبلغ العجز في ميزانها التجاري نحو 40 مليار دولار استطاعت تغطية الفارق الكبير بالاصلاحات وبالاتفاق مع صندوق النقد الدولي”.

 

مصدرخالد أبو شقرا - نداء الوطن
المادة السابقةمباحثات روسية سورية في موسكو لتعزيز التجارة والتعاون الاقتصادي
المقالة القادمةالذهب الى الواجهة: تأجير أو بيع؟