عجز ميزان المدفوعات: الأرقام غير دقيقة؟

بحسب أرقام مصرف لبنان، سجّل ميزان المدفوعات منذ بداية العام الجاري حتى أيلول، عجزاً بقيمة تجاوزت 9 مليارات دولار. رقم هائل يكشف عن الكمية الضخمة من الأموال التي خرجت من لبنان. لكن اقتصاديين ومصرفيين وصيارفة يشككون فيه، لا لجهة تسجيل الأموال التي خرجت، بل لناحية تلك التي حُمِلت في «الحقائب» إلى البلد، لأن كمية كبيرة من الأموال دخلت لبنان، من دون أن تسجّل

ورد في آخر إحصاءات مصرف لبنان أنّ العجز في ميزان المدفوعات (صافي الأموال التي دخلت لبنان وتلك التي خرجت منه) بلغ، منذ بداية سنة 2020 حتى أيلول الماضي، ما مجموعه 9 مليارات و608 ملايين دولار. العجز في هذا الميزان بات «سِمةً» لبنانية منذ عام 2011، حين انقلبت الإحصاءات من تسجيل الفائض إلى العجز. فبحسب الأرقام الرسمية، سُجّلت فوائض في ميزان المدفوعات بقيمة 25.4 مليار دولار بين عامَي 2002 و2010. تبدّلت المعطيات بدءاً من الـ 2011، حين بلغت قيمة العجز في سبع سنوات (بين الـ 2011 والـ 2018) نحو 16.1 مليار دولار. «التقاط الأنفاس» الوحيد تمّ بين أشهر تموز وآب وأيلول من عام 2016، بسبب «الهندسات المالية» التي نفّذها مصرف لبنان، ومبادلة ليرات المصارف بدولارات لقاء فوائد مرتفعة، قبل أن يُعاود ميزان المدفوعات تسجيل العجز. ما هو المعيار للقيام بهذه الإحصاءات؟ ببساطة: مراقبة الأموال التي تخرج من لبنان، مقابل الأموال التي تدخل إليه.
صحيحٌ أنّ الأزمة بلغت أوجها عام 2019، وتراجع احتياطات العملات الأجنبية مُستمر، والضغط على سعر صرف الليرة ثابت إن لم يكن في حالة ازدياد، ولكن كلّ ذلك «لا يُبرّر» تسجيل عجز في ميزان المدفوعات بما يُقارب الـ 10 مليارات دولار في تسعة أشهر، ولا سيّما أنّه، استناداً إلى إحصاءات الجمارك اللبنانية، انخفضت فاتورة الاستيراد قرابة الـ 50% مقارنةً مع العام الماضي (من 13.838 مليار دولار إلى 6.923 مليارات دولار)، ما أدّى إلى تراجع كبير في عجز الميزان التجاري (الفارق بين الاستيراد والتصدير) بنسبة 59% (انخفض من 11.374 مليار دولار في الـ 2019 إلى 4.662 مليارات دولار عام 2020). أي أنّه كان يُفترض بالعجز في ميزان المدفوعات أن يتراجع، لا العكس.

ميزان المدفوعات مؤشر شديد الأهمية. فالعجز الذي يُسجّله يدل على الأزمة التي يُعانيها الاقتصاد اللبناني، القائم على التدفقات بالعملات الأجنبية. ما هو ميزان المدفوعات؟ هو بيانٌ تُسجّل فيه «تبادلات بلد ما مع بقية دول العالم، إن كانت بضائع أو خدمات. هذا هو ميزان السلع والخدمات»، يشرح الوزير السابق، والأمين العام لحركة مواطنون ومواطنات في دولة، شربل نحّاس. يُضاف إليه «ما يُسمّى حساب عناصر الإنتاج، أي العمل والرأسمال، ومن ضمنها الاقتراض ودفع فوائد إلى الخارج لقاءها، أو القيام بتوظيفات مالية في الخارج، وقبض فوائد عليها. هذا هو حساب عوائد عناصر الإنتاج. ويُضيف نحّاس إنّ مجموع السلع والخدمات زائد عوائد عناصر الإنتاج، «تُشكّل الحساب الجاري، الذي إذا سجّل فائضاً يعني أنّ المبلغ المُجمّع أكبر من المدفوع». ثالثاً، يأتي حساب الرساميل، الذي «يُغطّي النقص في الحساب الجاري أو يُوظّف الفائض الناتج منه». مجموع كلّ هذه الحسابات تُنتج «رصيداً يُسمّى ميزان المدفوعات». لذلك، من المُفيد أن نعرف، بحسب نحّاس، «ما هو مصدر الأرقام التي تُشير إلى العجز؟». فإذا كان المصدر هو حسابات مصرف لبنان، «يعني أنّ أرقامه تقتصر على التبدلات في مخزون المصرف المركزي والمصارف والحسابات في الخارج، خلال فترات زمنية مُحدّدة»، ولا تدخل ضمن هذه الحسابات «الأموال النقدية التي تدخل إلى البلد خارج القطاع المصرفي والمالي»

مصدرليا القزي - الأخبار
المادة السابقةالقيود على الليرة باقية.. رغم أزمتي الصحة والغذاء
المقالة القادمة“الأعلى للدفاع” يقرّر الإقفال اليوم… و”الصحة” تريده فرصة للتجهّز