تعكس حركة الأسواق عشية الأعياد حجم الأزمة الاقتصاديّة والقلق بين اللبنانيين من المخاطر الأمنية. وهو ما يجافي المظاهر الخادعة على الطرقات والزحمة الخانقة التي لا تترجم استهلاكياً، ولا تتعدى كونها تمضية للوقت بحثاً عن ترفيه بأقل كلفة ممكنة من دون أي جدوى اقتصاديّة جديّة.
وتتسابق البلديات على المنافسة لتقديم أجمل زينة ميلادية، مع برامج ترفيهية و«قرى ميلادية» في محاولة لاستقطاب أكبر عدد من الزوار والسيّاح وتنشيط الحركة الاقتصادية الراكدة. غير أن معظم هذه النشاطات المجانيّة، والمدعومة من بلديات وجمعيات أهلية وكنسيّة وشبابية، ورغم أنها تكسر شيئاً من الجمود، إلا أنها تؤكد المؤكد، وهو أن الناس يبحثون عن ترفيه يتوافق مع التقشف.
تقول سينتيا، وهي ربة منزل وأم لولدين، إن «القرى الميلادية» والبرامج التي أعلنت عنها بلديات عدة، «وفّرت، خصوصاً للأولاد، مساحة تنفس. فالبرامج متنوعة وتشمل عروضات ترفيهية للأطفال وتوزيع هدايا وأسواقاً وكيوسكات للطعام بكلفة أرخص بكثير من كلفة عشاء لعائلة في مطعم».
وتزيد الطين بلة الفضائح المتلاحقة لعدد من المؤسسات السياحية والمطاعم بما فيها أسماء كبيرة، وهو ما يمكن رصده في الكثير من المطاعم حيث الطلبات «خفيفة» و«الأرغيلة» سيدة الموقف. ويوضح أحد الموظفين في مطعم في منطقة الضبية أن «الكثير من الزبائن يقضون ساعات على أرغيلة وزجاجة بيرة».
وبحسب طوني الرامي، رئيس «نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان»، فإن «القطاع يشتغل على 5% من اللبنانيين المقيمين طوال السنة، ويتغذى من الاغتراب في فترة الأعياد والعطل. لولا الاغتراب لا يوجد اقتصاد». ولفت الرامي إلى تأثير القلق من أي حرب مقبلة على إنفاق المواطنين «فطالما أن العامل النفسي غير مريح، يبقى الاستهلاك غير مريح». أما في ما يتعلق بسلامة الغذاء، فقد لفت إلى أن «الهيئة العليا لسلامة الغذاء تألفت، بانتظار أن تنشر في الجريدة الرسميّة، لتبدأ بدورها الرقابي الفعلي وننطلق في صفحة جديدة في ملف سلامة الغذاء. وكنقابة مطاعم نحن مشاركون فيها بفعالية».
رغم موقعها البارز سياحياً على مدار العام، وزينتها الميلادية المميزة التي تستقطب لبنانيين من مختلف المناطق، تبدو الحركة أيضاً خجولة في منطقة جبيل. ويوضح مارك عبود، رئيس بلدية عنايا ومنسق نقابة المطاعم والمقاهي والملاهي في قضاء جبيل، أن «الحركة أكثر من اعتيادية، لكنها حكماً أقل من الحركة التقليدية في موسم الأعياد. الكثير من العائلات تقصد قرى الميلاد ومواقع الزينة للتجول وتمضية الوقت، والإنفاق يتركز في هذه الأماكن. أما السيّاح، فنلمس حضورهم ابتداءً من 15 من الشهر الجاري وإن كان هنالك حضور خجول للبعض منهم، ويمكن رصدهم في سوق جبيل والميناء تحديداً». وحول إنفاق رواد المطاعم في قضاء جبيل يوضح أن «البيانات تظهر أن حجم الإنفاق مستقر ولكن من دون أي زيادة»، وهو ما يخالف موسم الأعياد حيث يرتفع الإنفاق.
ومن الناحية التجاريّة لا يقل الوضع سوءاً. «المتسوقون» يتنقلون بين المتاجر، ويتفرجون، ويستفسرون عن الأسعار… ثم يغادرون. في سوق الزلقا النشط على مدار العام، المبيعات خجولة. ووفقاً لفيليب سمراني، رئيس جمعية تجار الزلقا، فإن «الوضع أكثر من سيئ. منذ عقود لم نشهد حالة مماثلة ولا نعرف كيف سيصمد التجار وأصحاب المؤسسات على المدى البعيد».
وفي هذا الإطار، يبرز اسم سحري «Shein»، وهي منصة تجارة إلكترونية صينية عملاقة للأزياء السريعة، غزت السوق اللبنانيّة والعالميّة. إذ لا يمكن إغفال أثر هذه المنصة على حركة الأسواق، كونها باتت مقصداً مفضلاً للزبائن «لأن الكثير من البضائع المعروضة عليها أرخص بكثير من البضائع المعروضة في المتاجر في لبنان، هذا إن لم تكن المتاجر نفسها تطلب من «Shein» وتبيعنا بسعر أعلى. في النهاية كلو صيني بصيني» وفقاً لإحدى السيدات.



