“عراضات” نيابية على موازنة عاجزة محشوة بالتناقضات

تسابق النواب امس لإلقاء كلمات مطوّلة تنوعت بين الانتقاد والإشادة، حول موازنة تفتقد لأدنى معايير إعداد الموازنات العامة، موازنة بلا قطع حساب، تشوبها التناقضات وازدواجية المعايير. والأسوأ من كل ذلك يعلم كل من حضر اليوم في جلسة مجلس النواب لإقرار موازنة 2024 أن الأخيرة تعرّضت لعملية تعديل أرقام في الساعات الأخيرة، فتغيّرت وضعيتها من موازنة تحمل فائضاً مالياً إلى موازنة ذات صفر عجز ثم إلى موازنة عاجزة بحسب ما أكد اليوم أكثر من نائب.

لا قطع حساب ولا شفافية بالتقديرات
تفتقد الموازنة التي تتم مناقشتها اليوم وغداّ في مجلس النواب لأدنى معايير الشفافية بالإنفاق، في ظل غياب قطع الحساب “فوزارة المالية عاجزة عن تقديم أرقام مدققة ونهائية عن إيرادات ونفقات موازنات 2021 و2022 و2023، والأدهى والأخطر من ذلك هو أن وزارة المال لا تملك الأرقام لأنها توقفت عن إدخالها منذ عام 2019 على النظام المالي للوزارة”. وردت هذه الملاحظة على لسان النائب جورج عدوان اليوم في جلسة مناقضة الموازنة، من دون أن يغفل عدوان عن أن أرقام الموازنة تغيرت حتى اللحظة الأخيرة.

ما قاله عدوان عن تغيّر أرقام الموازنة صحيح، وأكده أكثر من نائب، خصوصاً ان أرقام الصيغة الأولى من مشروع الموازنة التي رفعتها وزارة المال للجنة المال النيابية كانت تتضمن تقديرات بأكثر من 40 الف مليار ليرة عجز، تحول بقدرة قادر إلى فائض ثم إلى صفر عجز من خلال مضاعفة التقديرات المتوقعة من إيرادات غير مضمونة، في مقابل تقليص نفقات بشكل غير منطقي. وكان لافتاً تعبير نائب رئيس المجلس النيابي النائب الياس بو صعب بأنه “لا صفر عجز في الموازنة”.

وقد ذكّر النائب حسن فضل الله خلال الجلسة بفشل محاولات الحصول على قطع حساب من وزارة المال “فالمجلس النيابي قام بكل ما عليه بما فيه اقرار القوانين التي تتيح لديوان المحاسبة التعاقد مع مدققين خارجيين، لقد أنجز عدد من قطوعات الحساب من قبل الديوان وبقيت سنوات أخرى على الحكومة أن تنجز هذا الملف وتحيله إلى المجلس لتحقيق الانتظام الدستوري والقانوني ولنتمكن من مراقبة صدقية تنفيذ الموازنة”.

وهذا بيت القصيد “صدقية تنفيذ الموازنة” المفقودة في ظل غياب قطع الحساب. وانطلاقاً من عدم شفافية الإنفاق عمدت لجنة المال الى إدراج تعديلات عديدة على الموازنة، منها إضافة مادة تقضي بحظر إعطاء سلفات خزينة خلافاً لأحكام قانون المحاسبة العمومية التي ترعى إعطاءها، وتحميل المخالف تسديد السلفات بامواله الخاصة وإحالته على القضاء المختص.

لا عدالة بالرسوم والضرائب
لم تراع موازنة 2024 مبدأ العدالة الضريبية ولا العدالة الاجتماعية، لا بل تعمّدت التمييز في العديد من موادها، ففي حين جرت مضاعفة أرقام بدلات الرسوم 46 ضعفاً بناء على معيار نسبة التضخم، تمت بالمقابل مضاعفة رواتب القطاع العام في وقت سابق بنسبة 7 أضعاف فقط تحت خانة المساعدة الاجتماعية. وأكثر من ذلك تعمدت وزارة المال عدم ذكر إو إدراج الحوافز المالية التي أقرتها الحكومة في وقت سابق لموظفي الإدارة العامة في موازنة 2024، وهذا جزء من النفقات المغيّبة عن الموازنة.

وقد تطرق رئيس لجنة المال النائب ابراهيم كنعان في جلسة اليوم إلى مسألة التفاوت بمضاعفة الرسوم ورأى أن “غياب الرؤية يتلازم مع غياب وحدة المعايير في التعديلات المقترحة على الرسوم القائمة فبعض الرسوم رفعت قيمتها 10 أضعاف كرسوم السير، ورفعت قيمة سواها 40 ضعفاً كبعض رسوم الطابع المالي، وجرى رفع البعض الآخر 180 مرة كالرسوم على المواد الكحولية المنتجة محلياً”.

وأشار كنعان إلى أن “الحكومة رفعت رسم تسجيل التاجر أو المحل التجاري في سجل التجارة 25 ألف مرة، ورسم تسجيل شركة الأشخاص 50 ألف مرة، ورسم تسجيل شركة الأموال 150 ألف مرة ما يدل على غياب الرؤية الاقتصادية الواضحة التي تقضي في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة بتشجيع الاستثمار وتوسيع الاقتصاد واستجلاب رؤوس الأموال الأجنبية”.

تقرير لجنة المال
وكانت لجنة المال قد رفعت تقريرها خلال الجلسة بيّنت فيه الملاحظات حول الموازنة وعدّدت التغييرات الجوهرية على صعيد المالية العامة التي أدخلتها في الموازنة ومنها:

تعديل المادة الخامسة المتعلقة بإجازة الاقتراض وحصر هذه الإجازة، في ما خص عجز الموازنة بالعجز المقدر بدلاً من العجز المحقق في تنفيذ الموازنة، لأن هذه الإجازة، قبل تعديل سقف الاقتراض، كانت تكلف الخزينة ما لا يقل عن ألف مليار ليرة من فوائد على سندات خزينة لا حاجة لإصدارها.

كما تم شطب جميع المواد التي تقضي بإحداث ضرائب أو رسوم او غرامات جديدة.

بالإضافة إلى توحيد المعايير في تعديل الضرائب والرسوم وبدلات الخدمات والغرامات بعد أن كان الاقتراح بتعديلها بصورة عشوائية لا تراعي الأوضاع الاقتصادية السائدة، ولاسيما رفع رسم تسجيل مؤسسة أو شركة في السجل التجاري 150 ألف مرة، ورفع غرامة السير عشر مرات.

تحقيق بعض الإنصاف لذوي الدخل المحدود من الموظفين والأجراء العاملين في القطاعين العام والخاص بتعديل الشطور الخاضعة لضريبة الدخل وتعديل التنزيلات العائلية بمعدل 60 ضعفاً، بعد أن كانت عشرة أضعاف في مشروع الحكومة، بالرغم من الوضع الاقتصادي السيء حيث تآكلت مداخيلهم كما تآكلت الودائع في المصارف.

وهنا لا بد من الإشارة إلى تزييف الحقيقة حتى من قبل لجنة المال، فإن ما تدّعيه حول تحقيق بعض الإنصاف بحق الموظفين ما هو إلا اجتزاء للحقيقة. فهي قامت فعلياً بتوسيع الشطور الضريبية لما فيه مصلحة الموظفين وضاعفت حجم الشطور والمداخيل السنوية 60 مرة، في حين عدّلت بعملية احتساب تعويضات نهاية الخدمة، لكنها ضاعفت قيمة العملة التي يتم احتساب التعويضات على أساسها بقيمة 10 مرات فقط. بمعنى آخر احتسب الدولار بقيمته الفعلية 89500 ليرة في عملية تطبيق ضريبة الدخل في حين احتسبت الدولار عند 15 الف ليرة عند تطبيق تعويضات نهاية الخدمة.

مصدرالمدن - عزة الحاج حسن
المادة السابقةالإدارة العامة تعلن الإضراب التام بدءاً من الإثنين المقبل
المقالة القادمةثلاث ساعات كهرباء.. والطاقة الشمسية ما زالت وهماً