“عصف إقتصادي” في جلسة اللجان المشتركة

بينما كان النائب إبراهيم كنعان يُعلن بعد لقائه مع النائب جورج عدوان، وفد صندوق النقد الدولي في مجلس النواب، أنّ الرئاسة هي المدخل لإعادة تكوين المؤسّسات واستعادة الثقة، كانت جلسة اللجان النيابية المشتركة تتحوّل جلسة عصف فكري إقتصادي، وفق توصيف أحد النواب المشاركين فيها.

لكنّ المفارقة التي لا بدّ من التوقّف عندها، أنّ الجميع أقرّ ويُقرّ في السرّ والعلن، بأنّه لا يجوز استمرار الوضع كما هو، وأنّ الحلّ الجذري للأزمة الإقتصادية والنقدية هو في السياسة أولاً من خلال انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة فاعلة، تستطيع أن تستكمل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ومعرفة حقيقة القوانين الإصلاحية المطلوبة.

ووصف العديد من المشاركين في الجلسة، وقد تخطى عددهم الـ70 نائباً، النقاش بـ»ميني» حوار إقتصادي ونقدي قدّم خلاله كلّ طرف وفريق رؤيته ونظرته لوسائل العلاج، ولو أنّ اللجان عادة لا تتّخذ قرارات وإنّما توصيات، وهو ما لم يحصل أمس. فهناك غياب لمرجعية القرار المالي والنقدي ولا أحد يعرف كيف يتحرّك سعر الصرف، كما أنّ كلّ الإجراءات المتّخذة حتى الآن، لا تعدو كونها ترقيعية ومعظمها مخالف للقوانين، كمنصّة صيرفة وغيرها من الإجراءات.

ولعلّ التوصيف الذي أعلنه النائب كنعان بعد لقائه بعثة صندوق النقد الدولي برئاسة إرنستو راميريز، حول إنتاج فريق العمل الحكومي المتجانس وخارطة الطريق للإنقاذ المالي والإقتصادي وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، يُعبّر ربّما عمّا يدور في أروقة النقاش الجدّي مع الصندوق. فالمسألة لا تتعلّق بإقرار قوانين ضرورية لإطلاق الإتفاق مع الصندوق، بل بإمكانية احترامها وتنفيذها لاستعادة الثقتين المحلية والدولية.

كذلك، فإنّ السؤال الأساسي أيضاً هو: من هي الجهة التي ستُنفّذ القوانين في حال أقرّت في ظلّ الوضع الراهن؟ وهل سيستمرّ النهج القائم حالياً أو أنّه سيتمّ اتباع سياسة نقدية جديدة ومختلفة عن الموجودة؟ وماذا عن دور القضاء المستقلّ الذي يُمكن أن يُمارس دوره في المحاسبة عند حصول أي خلل؟

جلسة اللجان التي ترأسها نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، وحضرها نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، ووزير المالية يوسف الخليل وممثّلون عن الإدارات المعنية وممثّل عن مصرف لبنان، تحوّلت جلسة نقاش عام ولم تكن جلسة مساءلة، لأنّ جلسات من هذا النوع تتطلّب انعقاد الهيئة العامة لمجلس النواب، وتتطلّب دعوة من رئيس المجلس وحضوره وترؤسها، ولها أصولها وفقاً للنظام الداخلي للمجلس.

ومن خلاصات هذه الجلسة التي تحدث خلالها حوالى 25 نائباً، أنّها وصفت واقع الحال المتحلّل على الصعد المالية والإقتصادية والنقدية والمعيشية، وبالتالي إنهاء القطاع العام وانعكاس ذلك على تعطيل حياة الناس ومعاملاتهم، وكذلك تأثيره السلبي على تأمين إيرادات للخزينة واللجوء إلى مزيد من طباعة الليرة اللبنانية التي تجاوزت المئة ألف مليار.

كذلك من الخلاصات، ما كشفه نائب رئيس المجلس إلياس بو صعب لجهة أن لا أحد يستطيع إعطاء أجوبة حول موضوع سعر الصرف، ومن يرفع ويخفّص سعر الدولار، لا مصرف لبنان ولا الحكومة، وأنّ هناك تحويلات مالية تحصل بشكل إستنسابي من قبل بعض النافذين إلى خارج لبنان، وهؤلاء يُشكّلون المنظومة التي تعرف بـ»الدولة العميقة».

فالعالم في «ميل» ومعاناة الناس في «ميل آخر»، وفق توصيف بو صعب، والوضع لم يعد يحتمل، ولا بديل عن الحوار، ويجب أن نتعاون لإعادة تكوين السلطة.

كثيرة هي العناوين التي أثارها النواب في الجلسة، لكنّهم أجمعوا على أنّ حل الأزمة يبدأ بالحل السياسي الذي ينطلق مع إنتخاب رئيس للجمهورية، وهو الأمر المتعثر حتى الآن بتسليم من كلّ القوى والكتل النيابية.

مصدرنداء الوطن - أكرم حمدان
المادة السابقةالصرّافون لن يزاولوا “صيرفة”
المقالة القادمةمخالفات وشبهات في القروض والمنح… والمساعدات