عقارات لبنان عام 2025: شراء أكثر وبناء أقل

نشرت المديريّة العامّة للشؤون العقاريّة أرقام عمليّات الشراء والبيع للأشهر التسعة الأولى من هذا العام، فيما نشرت نقابتا المهندسين في بيروت وطرابلس أرقام الفترة نفسها بالنسبة لتراخيص البناء. ما أظهرته الأرقام، كان زيادة كبيرة في عمليّات الشراء، خلال الفصول الثلاثة التي تلت انتهاء الحرب الموسّعة، وإن ظلّت قيمة التداولات مُركّزة في أقضية بيروت وبعبدا والمتن. لكن على العكس تماماً، شهدت السوق تراجعاً في عدد مشاريع البناء الجديدة، وخصوصاً في بيروت، وهو ما يعكس قلق المستثمرين وخشيتهم من الدخول في أعمال البناء خلال الفترة الراهنة.

عمليّات الشراء والبيع

وفقاً لأرقام السجل العقاري، بلغت قيمة عمليّات الشراء العقاري هذه السنة، لغاية شهر أيلول الماضي، قرابة 4.4 مليار دولار أميركي، بينما بلغ عدد هذه العمليات أكثر من 51.68 عمليّة. وبهذا الشكل، يمكن القول أنّ عدد البيوعات العقاريّة التي حصلت خلال تلك الفترة تمثّل ارتفاعاً بنسبة 95.55%، مقارنة بالفترة المماثلة تماماً من العام الماضي. مع الإشارة إلى أنّ قيمة العمليّات باتت تُدوّن منذ بدايات شهر شباط 2024 وفقاً لسعر الصرف الفعلي السوق، ما يحيّد إلى حدٍ بعيد تأثير التغيّر في سعر الصرف الرسمي بين الفترتين.

أمّا الملفت للنظر، فهو أنّ عدد العمليّات سجّل خلال شهريّ أيلول وتمّوز من السنة الحاليّة قفزة بنسب تجاوزت 174% و149% على التوالي، مقارنة بنفس الفترات من السنة السابقة، ما يمثّل علامة فارقة في أرقام السنة الحاليّة. كما تقتضي الإشارة إلى أنّ الأشهر الأربعة الممتدة بين حزيران وأيلول سجّلت وحدها عمليّات بقيمة 1.97 مليار دولار أميركي، فيما سجّل شهر تمّوز وحده عمليّات بقيمة 576.6 مليون دولار أميركي، ما شكّل الرقم الشهري الأعلى خلال هذه الفترة.

باختصار، ثمّة طفرة لا يمكن تجاهلها في نشاط الشراء والبيع العقاري. ويمكن تفنيد أسباب هذه الطفرة على ثلاث مستويات:

أولاً، انتهاء الحرب الإسرائيليّة بصيغتها الموسّعة منذ أواخر العام الماضي، وإن استمرّ التصعيد على شكل ضربات يوميّة متفرّقة. وهذا ما دفع عدداً من المستثمرين إلى استكمال عمليّات الشراء، التي كانت مجمّدة من العام الماضي، بفعل الخوف من نتائج الحرب.

ثانياً، استمرار أزمة القطاع المصرفي اللبناني، والأزمة الماليّة بشكلٍ عام، ما يقلّص من مروحة الخيارات المتاحة للادخار أو الاستثمار في الفترة الحاليّة. وهذا ما يبقي العقارات أحد المجالات المحدودة لتوظيف الأموال النقديّة، التي يجري تداولها في السوق، وخصوصاً مع عودة الأسعار للارتفاع التدريجي خلال الفترة الماضية، وإن لم تستعد الأسعار مستويات ما قبل الأزمة حتّى هذه اللحظة.

ثالثاً، تستمر المخاوف المرتبطة بالتضخّم العالمي وقيمة الدولار على المدى البعيد، في ظل السياسات الاقتصاديّة المتبعة حالياً في واشنطن، وهو ما يشكّل دافعاً للبحث عن بدائل تحفظ قيمة المدخرات خلال السنوات المقبلة. ومن المعلوم أن الطلب على العقارات في لبنان ما زال يرتبط في جزء كبير منه بالقاعدة الاغترابيّة الموجودة في الخارج.

في جميع الحالات، قد يكون المفيد التذكير بأنّ تقرير مصرف لبنان للاقتصاد الكلّي أفاد بأنّ كلفة الإسكان شهدت خلال العام الراهن ارتفاعاً بنسبة 28.11%، ما جعلها أحد أبرز أربعة قطاعات تسهم في رفع معدّل التضخّم العام في البلاد. وهذا ما يشير إلى أنّ القطاع العقاري لم يشهد فقط زيادة في حركة الشراء والبيع، بل شهد أيضاً زيادة في الأسعار.

في كل الحالات، تلحظ أرقام السجل العقاري أيضًا تركّزًا كبيرة حركة التداول العقاري في لبنان. فخلال الأشهر التسعة الأولى من السنة، انحصرت 30.6% من قيمة التداولات العقاريّة في العاصمة بيروت، فيما ترتفع هذه النسبة إلى 58% مع إضافة ضواحي العاصمة في قضائيّ بعبدا والمتن. أمّا النبطيّة، فلم تحظَ سوى بـ 5.23% من قيمة التداولات، بينما انخفضت النسبة إلى 4.1% في البقاع. وبهذا المعنى، ظلّت الانتعاشة في النشاط العقاري محصورة بالمركز، من دون أن ينعكس ذلك تحسنًا مشابهًا في الأطراف، وخصوصًا تلك المعرّضة لتداعيات الحرب والأحداث الأمنيّة المستمرّة حتّى الآن.

حركة البناء

على المقلب الآخر، وبحسب أرقام نقابتي المهندسين، لم تشهد حركة البناء انتعاشاً موازياً، كحال حركة البيع والشراء. فعدد رخص البناء الجديدة خلال الأشهر التسعة من العام، بلغ 6,539 رخصة، ما شكّل هبوطًا بنسبة 26.28% مقارنة بالفترة المماثلة من السنة الماضية.

والدخول في تفاصيل الأرقام، يُظهر أنّ الانخفاض الأكبر في نشاط البناء شهدته العاصمة بيروت، بنسبة قاربت 80.47%، ما يعني أن عدد مشاريع البناء الجديدة المُرخصة هذه السنة لم يتجاوز خُمس مثيلة خلال العام الماضي. وبذلك، بلغ عدد المشاريع الجديدة المرخّصة في بيروت هذا العام 66 مشروعاً فقط، ما شكّل 1% من إجمالي المشاريع المرخصة في كل أنحاء لبنان هذه السنة. كما سجلّت محافظة النبطيّة انخفاضًا لافتاً بنسبة 27.65%، وكذلك البقاع بنسبة 48.63%. ومن بين جميع المناطق اللبنانيّة، لم تُسجّل أي محافظة زيادة في عدد المشاريع الجديدة هذه السنة، باستثناء شمال لبنان وبنسبة 14.34%، ما شكّل علامة فارقة.

ما تُظهره هذه الأرقام، هو خوف المطورين العقاريين من أي مجازفة خلال الوقت الراهن، مع استمرار الحديث عن احتمالات عودة الحرب. كما يبدو أنّ السوق ما زالت تفضّل الاستثمار العقاري، عبر الاستحواذ على الأراضي والأقسام، إنما من دون توظيف الأموال في تطوير الأراضي وتحويلها إلى مشاريع سكنيّة. وهنا، يبدو أن غياب القروض السكنيّة ما زال يضغط على الأسواق، بغياب التمويل الذي يسمح باستعادة طلب الأسر المتوسّطة الدخل، على الوحدات السكنيّة.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةالصدي: ساعات الكهرباء ستصل إلى 10 يومياً في الشتاء
المقالة القادمةتوقعات بنهاية مكاسب الذهب ومخاوف من سيناريو 1980