أوقف سوء تدبير رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، وعشوائيّته دورة العمل في دوائر الدولة بشكل شبه تام. أمس، وبعد طلب ميقاتي من وزير المالية يوسف الخليل وقف تنفيذ مرسوم صرف الحوافز الإضافية لموظفي المالية، انقسم موظفو القطاع العام إلى جبهتين. على الجبهة الأولى، وقف موظفو وزارة المالية مطالبين بتطبيق المرسوم 12848 القاضي بإعطائهم، دون غيرهم، حوافز شهرية. لذا، فإن قرار وقف صرف الحوافز دفعهم إلى إعلان الإضراب و«إطفاء الأنظمة»، ما يؤدّي إلى تعطيل الجباية، ويؤخّر صرف الرواتب. وعلى الجبهة الثانية، وقف باقي موظفي القطاع العام ومعهم المتقاعدون ضدّ التمييز الذي مارسته الحكومة، فلجأوا بدورهم إلى التوقف عن العمل.هذه التحرّكات فرضت على مجلس الوزراء إدراج بند تعديل الرواتب في الجلسة المقبلة، ولو من خارج جدول الأعمال. فالأمانة العامة للمجلس دعت إلى جلسة تعقد اليوم على جدول أعمالها بند واحد يتعلق بـ«أوضاع المصارف وإعادة تنظيمها». عملياً، تحرّكات القطاع العام أجبرت ميقاتي على التراجع خطوتين؛ الأولى تمثّلت في إيقاف الصرف الانتقائي للحوافز، والثانية في إعادة البحث في الزيادات المقترحة بعد مماطلة لأكثر من 3 أشهر.
عقدة زيادة الرواتب لا تكمن في الاتفاق على مبدأ الزيادة، بل في السقف الذي حدّده حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري للإنفاق الحكومي. وهذا السقف الذي قد يصل إلى 25 ألف مليار ليرة شهرياً لكل الإنفاق (بما فيهم المصارف) حُدّد بالاتفاق مع ميقاتي والخليل من أجل كبح ضخّ السيولة بالليرة لتحقيق أهداف المصرف المركزي في استقرار سعر صرف الليرة. وبحسب المعلومات، فإن منصوري يعارض أي زيادة للقطاع العام تفوق 2000 مليار ليرة شهرياً فوق مجمل قيمة الرواتب والأجور التي تدفع اليوم والبالغة 5800 مليار ليرة.
جاء هذا الاتفاق على حساب أجور العاملين في القطاع الخاص، رغم أن هناك إجماعاً على ضرورة تعديل الرواتب من أجل تمكين القطاع العام من القيام بمهامه ودوره الأساسي لتشغيل القطاعات الاقتصادية المختلفة. فحتى الهيئات الاقتصادية، وهي الأكثر شراسة في مهاجمة القطاع العام وموظفيه، تقرّ بضرورة تعديل رواتبهم وإعادتهم إلى ممارسة أعمالهم. والزيادة قد توقف أو تخفف النزف في الوظيفة العامة، إذ تقدّر مصادر وزارية خروج نحو 2000 موظف من الملاك خلال السنوات الماضية من الوظيفة بسبب هزالة التقديمات.
بدورها، تمارس الحكومة لعبة المماطلة لتمكين منصوري من تحقيق مكاسبه، لذا تؤخّر أي نقاش يتعلق بتعديل سلسلة الرتب والرواتب. ثمة إقرار بهزالة الرواتب، لكن النقاش كلّه يتمحور حول زيادات عشوائية وانتقائية لا عبر سلسلة رتب ورواتب. فالمشاريع المطروحة ليست عادلة وليست شاملة، بل هي تستثني أو تحابي فئة من الموظفين على حساب أخرى، ولا تبحث في إدخال الزيادات إلى أساس الراتب، ما يبقي المتقاعدين دائماً على الهامش، ويسلب من الموظفين سنوات الخدمة.
آخر مشروع للزيادات على الرواتب انطلق على شكل إعطاء بدل إضافي يومي للموظفين بحسب فئاتهم، واستثنى المتقاعدين والأساتذة والقضاة من الزيادة. وبعد اعتراض المتقاعدين ونزولهم إلى الشارع، عدّلت الحكومة مشروعها بطريقة مواربة، فغيّرت عنوان الزيادات اليومية من «بدلات حضور» إلى «صفائح بنزين» للهروب من إعطاء أي زيادة للمتقاعدين، وأبقت على استثناء الأساتذة والقضاة الصامتين حتى الآن عن المشاريع الحكومية. إلا أنّ المشروع الأخير اصطدم بالسقف المالي المحدّد من مصرف لبنان، ما أعاد البحث إلى نقطة الصفر.