علاج الأسنان بالدولار… والتقسيط ممنوع

«أوعى يخرب ضرسك، بيخترب بيتك». فعلاج الأسنان اليوم يحتاج ميزانية كبرى، اذ لم تترك الأزمة المعيشية شيئاً الّا و»نخرته» و»دولرته» وتحكّمت بأسعاره، حتى الأسنان لم تسلم منها، فيضطرّ المواطن للاستدانة لكي يعالج سنّاً نخره السوس، أو انكسر فجأة، اذ تصل كلفة العلاج إلى50 دولاراً، أي ما يوازي راتب موظّف، ومع ذلك ينشط قطاع طبّ الأسنان ويحقّق ارباحاً لافتة، على حدّ ما يقول أحد العاملين فيه، وتحديداً في مجال تجميلها.

لا يصرّح معظم أطباء الاسنان عن أرباحهم، عادة ما يؤكّدون أنّ كلفة الرصّة أو التلبيسة «بتخسّر» لأنّ المواد تُشترى على الدولار، وأنّ أجرة يدهم قليلة مقارنة بالماضي.

لم يكن بوارد فاطمة يوماً أن تستدين لمعالجة أسنانها، وقد اعتادت علاجها دورياً من دون مشكلة، غير أنّ دولرة الأسعار جعل الأمر مستحيلاً بعض الشيء، «فما أنتجه شهرياً لا يكفي نصّ ضرس، والباقي دَين لأنّ الاطبّاء أوقفوا سياسة التقسيط التي باتت تتعارض مع بورصة الدولار».

في عيادة طبيب الاسنان تتعرّف الى سيّدة وصلت على عجل لمعالجة نزيف في لثّتها، على شاب يريد إزالة أوجاعه، على رجل يئنّ من الوجع ويعجز عن دفع التكلفة ويتّصل بفلان وعلتان لتأمين المبلغ المطلوب. فالدولار سيطر على هذا القطاع وجعل كلفة الرصّة بـ20 دولاراً والقلع بـ500 الف ويضاف اليها 50 دولاراً كلفة علاج السنّ بالكامل، أمّا التلبيس فبات خارج قدرة كثيرين وباتوا يطلبون «الترقيع» أو ازالة الوجع بأقل كلفة ممكنة.

صحيح أنّ نسبة معينّة لم تتأثّر بالأزمة، لكنّ هناك شريحة واسعة من الناس تعجز عن زيارة عيادة طبّ الاسنان لعدم توفّر المال فتعيش على المسكّنات ريثما يأتي الفرج، وكثر من هؤلاء يلجأون الى المستوصفات والمراكز الصحّية التي انتعشت كثيراً وتشهد اكتظاظاً غير مسبوق، لأنّها ما زالت «أرخص» لكنّ حجز موعد مع طبيب المستوصف قد يتطلب أشهراً، رغم أنّ الوجع لا يحتمل.

تبكي سهيلة من الألم، يرفض طبيب المستوصف إدخالها من دون موعد، جلّ ما تفعله شراء مسكّن والانتظار لأنّ مواعيد الدكتور «مفوّلة»، تضرب أخماساً بأسداس كيف ستؤّمن التكلفة، فالمزارعة تعمل باليومية لكي تعيل عائلتها «لو كنت قادرة على احتمال الوجع لانتظرت شهراً ليحين دوري في المستوصف، ولكنّ الوجع هدّني».

علاج الأسنان بات مستحيلاً لكثر، يحتاج موازنة بحدّ ذاتها، يدرك الدكتور علي الأمر، «فالظروف صعبة ولكنّنا غير قادرين على تخفيض الأسعار، اذ نشتري البضاعة بالدولار وكاش، والشركات لا ترحم، لذا أوقفنا التقسيط أيضا». بحسبه «لم نرفع التسعيرة، على العكس كانت الرصّة بـ50 دولاراً واليوم بـ20 غير أنّ فرق العملة صعّب الأمرعلى كثيرين». توافق معظم الأطبّاء على تسعيرة موحّدة والبعض زادها قليلاً، والكلّ يسعّر وفق أرباحه.

اذاً، لحقت الأسنان بالدولار، ما جعل زيارة الطبيب شبه مستحيلة، الّا أنّ الدكتور علي يؤكد ازدهار القطاع رغم دولرته، «فالمواطن قد يؤجّل زيارة أي طبيب الّا طبيب الاسنان، فوجعها بيطيّر العقل».

مصدرنداء الوطن - رمال جوني
المادة السابقةالبرلمان يضع يده على ملف “الإتصالات”… لرفع الحصانة؟
المقالة القادمةمزارعو الحمضيات يستعجلون القِطاف… والأسعار