على حساب أية فئة ستنقذ نفسها اميركا في معركة سداد الديون؟

من ينقذ الولايات المتحدة من أكبر أزمة تواجهها اليوم؟ أزمة رفع سقف الدين بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري. هل اميركا مقبلة على كارثة؟ في الواقع نعم! إذا لم تنهض الإدارة الأميركية بحلّ قبل نهاية الشهر الجاري.

اميركا التي تعاني من تقاسم سلطة بين البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري والبيت الأبيض الذي يخضع للديمقراطي، واقع يعيق اي حلّ في الوقت الحاضر لبلد أصبح حجم الدين العام فيه، لأول مرة في تاريخ الدولة العظمى الى 31 تريليون $، الأمر الذي وضعها في مواجهة أكبر مأزق خطير وأزمة مالية عالمية.

لم يخرج الرئيس الاميركي جو بايدن بنتيجة في اجتماعه مع رئيس الكونغرس كيفن مكارثي، مع العلم ان جرس إنذار وزارة الخزانة دقّ معلناً أن يوم الأول من حزيران يوم بداية إقفال كل من الإقتصاد والحكومة الفدراليّة، وهي ستكون المرة الـ23 في تاريخ الولايات المتحدة بسبب عدم اتفاق الحزبين على آلية رفع سقف الدين العام.

ومرة أخرى تأجل الإجتماع منذ أيام قليلة بين بايدن وزعيم الكونغرس لإتاحة الوقت للمفاوضين لإيجاد حلّ للأزمة “الكارثة” على الولايات المتّحدة والعالم بحسب وصف رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك. وعبّر صندوق النقد الدولي عن قلقه من التداعيات الخطيرة على الإقتصاد العالمي لتقصير الولايات المتحدة في سداد الـ31 تريليون دولار.

الفريق التفاوضي الجمهوري يرى ان الحلّ بتخفيض الإنفاق الحكومي، في حين يرى الديمقراطي ان هذا التخفيض المترافق مع زيادة الضرائب لن يؤدي الى حلّ المشكلة. سقف الدين العام ما هو إلا سقف الإقتصاد الأميركي، المهدّد بالإنهيار على رؤوس الجميع وليس على حزب من دون سواه. الجمهوريون يرون أن هذه فرصتهم لإجبار بايدن على تغيير سياساته، التي يعتبرونها كارثية وقادت البلاد الى حافة الإنهيار.

بنود الجمهوريين لحلّ الأزمة هو وقف دعم برنامج محاربة وباء كورونا، والبرنامج الحكومي لمكافحة الفقر، ووقف الحوافز لمساعدة برامج الطاقة النظيفة، من دون ان يلتفتوا الى الإنفاق الحكومي المتعلّق بالجيش والبرامج العسكرية، التي تصرف الولايات المتحدة عليها سنوياً 850 مليار دولار، في الداخل الأميركي وفي القواعد المنتشرة في العالم، في حين ان الديمقراطيين لا يرون هذا البرنامج يحلّ أزمة سقف الدين العام. في الواقع تعيش اليوم الولايات المتحدة صراعاً كبيراً يبرز فيه خوف المواطنين على ودائعهم وقلق كبير حول مستقبل بلادهم، في ظلّ أزمة اقتصاديّة حادة وارتفاع الأسعار في مختلف المواد الإستهلاكيّة ومواد الطاقة.

بايدن طمأن الجميع، أراح نفوس القلقين، ووعد بإيجاد حلّ، بعد حضور قمّة مجموعة الدول السبع، المُزمع انعقادها في هيروشيما-اليابان اليوم، وذلك لإعطاء وقتاً للتشاور. ولكن ماذا لو عجزت الحكومة الأميركية عن إيجاد الحلّ… حتما ان المشكلة لن تقتصر على السوق الأميركي، إنما سترسل موجات صادمة الى الأسواق العالميّة، تجعل من المستثمرين يفقدون الثقة في قدرة اميركا على سداد سنداتها التي يُنظر اليها أنها أكثر الإستثمارات أماناً في العالم.

ان تخلّف اميركا عن سداد ديونها بدأت تخلق اليوم اضطرابات في سوق الأسهم في سندات الخزانة، وقد تؤدّي الى تسريح عشرات الملايين من عملهم، وربما تؤدّي الى وضع حدّ لبرنامج استرداد الضرائب والضمان الإجتماعي والرعاية الطبيّة. ويتساءل الموظفون المتقاعدون الـ66 مليونا عن رواتبهم وطبابتهم، فهم الأكثر استهدافاً في هذه الأزمة، فمن أين تعوّض لهم وزارة الخزانة التي تصرف عليهم 25 مليار $ في الأسبوع؟ اما ذوي الدخل المحدود، فهم الهدف الثاني في هذه الأزمة، وربما لن يكون لهم إعانات غذائية وطبابة بعد اليوم… فعلاً انها مأساة كبرى، لو حصلت لأميركا التي كانت البحبوحة واليُسر، فماذا سيحصل لشعبها المدلّل إذا حُجبت عنه هذه المعونات المالية؟!.

يتوقع العديد من الخبراء الاقتصاديين والسياسيين، أن تلك المشكلة سيتم حلّها في اللحظات الأخيرة، مثلما يحدث في كل مرة يطلب من الكونغرس فيها رفع حد سقف الدين القومي.

وبالنظر الى بعض أسباب الدين القومي العام، نرى ان الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة على مدى قرون جعلت دينها يتفاقم مع السنين، فبعد الحرب العالمية الأولى حدث تحسن في فترة العشرينيات من القرن الماضي، وقلّت الديون الأميركية، لكن زادت مرة أخرى مع الكساد العظيم عام 1929. وزادت تلك الديون مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، ثم ارتفعت مع كل من الحرب الكوريّة وحرب فيتنام 168 مليار دولار. وفي عام 1981، خفضت الولايات المتحدة الضرائب بصورة كبيرة ودائمة، وهو ما أدّى إلى تراجع الإيرادات العامة، مع زيادة كبيرة في الإنفاق على الدفاع، مما أدّى إلى زيادة عجز الميزانية خلال العقد التالي إلى نحو 200 مليار دولار سنوياً، ما جعل الدين العام الأميركي يأخذ منحى مختلفاً عما سبق، حيث تجاوز حاجز التريليونات للمرة الأولى عام 1981.

وفي نهاية عام 2007، غرق الاقتصاد الأميركي، في حالة الكساد واندلعت الأزمة المالية العالمية. ومع تزايد حزم التحفيز المالي الضخم، أخذ العجز في الميزانية منحى لم يبلغه من قبل، حيث تعدى عام 2009 حاجز التريليونات. وبحسب تقديرات وزارة الدفاع الأميركية العام الماضي، فان التكاليف المباشرة للحروب الأميركية في أفغانستان والعراق وسوريا، قد تجاوزت كل واحدة منها 1.6 تريليون دولار… وصولاً وليس آخراً الى حرب اوكرانيا والتي دفعت فيها الولايات المتحدة حتى اليوم أكثر من 30 مليار دولار، الى جانب كل المصاريف المدفوعة للقواعد العسكرية المنتشرة حول العالم…

ومع هذا، من المرجح ان تستمر معارك الديون في الولايات المتحدة للسنوات المقبلة، ومع تدفق عشرات آلاف اللاجئين خلال أسبوع من المكسيك مع انتهاء مدّة سريان إجراء المنع الذي فُرض أثناء الوباء، وجدت اميركا نفسها امام التزامات مالية كبيرة تضاف الى الدين العام. فهل تنجح في الخروج من أزمتها كما حصل في الـ22 مرة السابقة، ولكن على حساب أيّة فئة من الشعب… الجواب بين الديمقراطي والجمهوري.

مصدرالنشرة - سمر نادر
المادة السابقةهل تبصر عملة خليجية موحدة النور قريبا؟
المقالة القادمةالقرم: وفرت على الدولة 48 مليون دولار في ملف الايجارات كانت ستدفع بالدولار الفرش وقمنا بايداعه بالشك