عناصر الإفلاس لا تتوافق مع مفهوم الدولة وإنما التخلف عن السداد!

“الدولة مفلسة” عبارة شعبوية عامية، تتردّد منذ بدء الأزمة المالية والإقتصادية والنقدية في نهاية العام 2019 على مسامع اللبنانيين، وتكرّست أكثر منذ تخلّف الدولة عن سداد ديونها في آذار 2020 . إلا أنه تم التوقّف عندها بقوة منذ يومين وبعيد “زلّة لسان” من نائب رئيس الحكومة سعادة الشامية باعتباره ممثّلا للحكومة، علماً أنه تقنياً وقانونياً من المعلوم أن الدولة لا يمكن أن تفلس بمعناها التقني والرسمي وإنما تكون متعثّرة وليس لديها سيولة، رغم أن “دولتنا” غنية بالممتلكات والأصول والمرافئ. كيف يعرّف القانون كلمة الإفلاس وهل ينطبق على الدول؟

أوضح رئيس مؤسسة “جوستيسيا” الحقوقية المحامي بول مرقص أن “الإفلاس هو إجراء قانوني يصدر بحكم قضائي من المحاكم المختصّة ويطال شخصاً طبيعياً أو معنوياً كالشركة مثلاً، يكون غير قادر على سداد ديونه المستحقة. وبحيث يتم خلال عملية الإفلاس قياس جميع أصول المدين وتقييمها، والحجز عليها وبيع جزء منها لسداد ديون الدائنين، وفي حالة الشركات يتم تصفية جميع أصولها وتختفي معها شخصيتها المعنوية.

وحول إمكانية تطبيقه على الدول، قال “إن مبدأ الإفلاس بشكل عام لا يمكن أن يطبّق على الدول، وذلك لعدّة عناصر تتنافى مع مبدأ الإفلاس وهي كالتالي:

أولاً، عنصر سيادة الدولة: في ظل سيادة الدولة، لا توجد سلطة أعلى يمكنها فرض سلطتها على دولة وإجبارها على القيام بعمل ما وإلا أصبحنا بحالة تعدٍّ على مبدأ سامٍ للدول. فإجبار الدولة المدينة على سداد ديونها يختلف عن حالة إجبار الشخص الطبيعي أو المعنوي بواسطة الأحكام والإجراءات القضائية على سداد ديونه. والإفلاس لا يمكن إعلانه إلا بحكم يصدر عن المحاكم المختصّة.

إلا أنه يمكن للمنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي تقديم المشورة والخطط لإعادة هيكلة الديون وتوزيعها ولكن ليس لديها القدرة على الإلزام.

وكما قد يؤثر عدم قدرة الدولة على سداد ديونها بشكل كبير على علاقتها مع الدول الخارجية التي ستفقد نتيجة ذلك الثقة للقيام بتعاملات من أي نوع مع دولة غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها، كما سيؤثر في سمعتها على الساحة الدولية، وحتماً لن توافق أي دولة أخرى على إقراضها المال بعد ذلك.

أما بالنسبة إلى العنصر الثاني غير المنفصل عن مفهوم الإفلاس، فهو كما تابع مرقص “عملية نقل الأصول لسداد الالتزامات، ما يعني البيع والحجز على أصول المفلس لسداد الدائنين، وهو ما يمكن تطبيقه بحالة شركة أو فرد ما حيث يمكن تقدير هذه الأصول والحجز عليها إلا أنّ المفهوم هو أكثر تعقيداً بالنسبة إلى الدولة حيث من الصعب على الدائنين أن يحجزوا عليها في سبيل تحصيل ديونهم، نظراً لأنه لا يمكن بيعها.

العنصر الثالث هو عدم إمكانية اختفاء الشخصية المعنوية للدولة، فالإفلاس يهم الشركات ويمكن أن يؤدي إلى اختفائها. لذلك يساء استخدام المصطلح عندما يتعلق الأمر بالحديث عن الوضع المالي لدولة ما: لا تختفي الدولة من خريطة العالم إذا وجدت نفسها تعاني نقصاً في المال لدفع دائنيها”.

لذلك، يوضح مرقص أن “العناصر الأساسية المرتبطة بمصطلح الإفلاس لا تتوافق مع مفهوم الدولة ومن الأصح الحديث عن التخلف عن السداد أو وقف السداد، لأنه يحدث أن الدولة لم تعد قادرة على الوفاء بديونها”.

وعلى الرغم من أنه قد يبدو أن تخلف دولة عن سداد ديونها أمر غير شائع، إلا أن معظم الدول تخلّفت عن سداد ديونها أو أعادت هيكلة ديونها في مرحلة ما خلال تاريخها، ففي القانون الدولي كما في القانون اللبناني يوضح مرقص “لا يوجد نصّ لحالة “إفلاس الدولة” حتى لو توقفت عن سداد ديونها كما فعل لبنان في 9 آذار من العام 2020، وهو متعثر عن دفع دينه المقدر بـ 92 مليار دولار. كما وجدت كل من روسيا عام 1998 والأرجنتين عام 2001 نفسيهما أيضاً في هذا الموقف بعد إعلان تعليق سداد ديونهما، وتعدّ اليونان أول دولة تخلفت عن سداد ديونها في العام 377 قبل الميلاد.

وفرنسا، على سبيل المثال، تعثرت عن ذلك 8 مرات، كانت الأخيرة في عام 1812، عندما تركت الفتوحات النابوليونية البلاد متوترة اقتصادياً وغير قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه دائنيها. كما أعلنت كل من أوكرانيا عام 2000 وكرواتيا عام 1996 وفنزويلا عام 2004 أنها غير قادرة على سداد ديونها.

مصدرنداء الوطن - باتريسيا جلاد
المادة السابقةأزمة الطوابع والإمتحانات فالإنتخابات… هل من يستدرك الأمور؟
المقالة القادمةميقاتي: المناقشات مستمرة مع “الصندوق” توازياً مع الإصلاحات