صدر عن رئاسة الجمهورية المرسوم رقم 9458، بتاريخ 24 حزيران للعام 2022، موقعاً من المراجع ذات الصلاحية السادة رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية ووزير الاتصالات، المتعلق بالتعرفات الجديدة لخدمات الهاتف الثابت والإنترنت وخدمات الخطوط التأجيرية وخلافها، بعد عرضه على استشارة مجلس شورى الدولة، باعتباره مرسوماً ذات طابع تنظيمي، حيث تمت الموافقة عليه (بالرأي الاستشاري رقم 143 تاريخ 2022/4/12) وحيث تضاعفت رسوم تلك الخدمات بنسب مختلفة وفقاً لكل نوع منها، وضمن شروط ومعايير معينة.
أما القرار رقم 155 الصادر بتاريخ 20 أيار للعام 2022 عن مجلس الوزراء المتعلق بتجديد تعرفات الهاتف الخليوي ورسوم بعض الخدمات الهاتفية ذات الصلة (رسوم التخابر ونقل المعلومات)، بالاستناد إلى (القانون رقم 431 تاريخ 22 تموز للعام 2022) المسمى (قانون الاتصالات في لبنان – ليبان تيليكوم)، وهو أيضاً من القرارات التنظيمية الذي عرض أيضاً على استشارة مجلس شورى الدولة، الذي أجاب بالرأي (رقم 143 تاريخ 2022/4/12) مشيراً إلى بعض الملاحظات من حيث الشكل والمضمون، وعدم أخذ رأي وزارة المالية، وعدم إرفاقه بالدراسات المطلوبة لتبيان الأسباب الموجبة وخلوه من جدول المقارنة وخلاف ذلك.
وبما أن وزارة الاتصالات قد بنت موقفها تجاه ذلك، بالنظر إلى تفاقم وتدهور الأوضاع الإقتصادية والمالية وإلى ضرورة استمرارية عمل المرفق العام وتأمين الخدمات الهاتفية والإنترنت، من خلال الاستمرار بالقدرة على الشراء بالعملات الأجنبية لتأمين صيانة المعدات وشراء المحروقات وتسديد كلفة الصيانة والتشغيل، وضرورة تغطية المساعدات الاجتماعية التي أقرتها الحكومة، وبدلات النقل وغيرها من الأكلاف المستجدة، نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في السوق اللبناني، وبعد موافقة مجلس الوزراء على ذلك.
ولما كانت “هيئة أوجيرو” قد أعدت مشروع مرسوم بهذا الصدد، تبين فيه بعض التعديلات المقترحة على أسعار خدمات الإنترنت ونقل المعلومات وإدخال خدمات جديدة في قطاع الاتصالات ذات الصلة بالأفراد والمؤسسات والشركات الخاصة على اختلافها، بالاتفاق مع وزارة الاتصالات حول هذا الموضوع.
بناء عليه، تقدمت وزارة الاتصالات باقتراحين إلى مجلس الوزراء للموافقة على تعديل التعرفات الآنفة الذكر:
– يتعلق الاقتراح الأول ببدل الاشتراك الشهري بالهاتف الخليوي وتخفيضه من 15 دولاراً شهرياً على أساس سعر الصرف الرسمي 1,507 ل.ل (بما يعادل 22,600 ل.ل.) إلى 3,75 دولاراً (أي ما يعادل 95,250 ل.ل.) أو إلى 5 دولارات شهرياً (بما يعادل 127,000 ل.ل) وسعر الدقيقة إلى 3 أو 5 سنتات.
– ويتعلق الاقتراح الثاني برفع تعرفة البطاقات المسبقة الدفع، إلى 6 سنتات أو إلى 8 سنتات للدقيقة الواحدة، على أن يتم احتساب تلك التعرفات بعد تخفيضها على أساس سعر منصة الصيرفة التي يحددها مصرف لبنان، وهي حالياً بقيمة 25,400 ل.ل تقريباً.
ولقد وافق مجلس الوزراء على التخفيض الثاني الأكثر كلفة على المشتركين، بدلاً من اعتماد التخفيض الأول، الأقل كلفة (أي تخفيض % 66,6 بدلاً من %75) من قيمة التعرفة بالدولار الأميركي، وذلك اعتباراً من 2022/7/1.
ولقد حدد رسم الاشتراك الشهري بالهاتف الخليوي بـ93,750 ل.ل ورفع سعر دقيقة التخابر من 175 ل.ل إلى 750 ل.ل. أما بالنسبة للبطاقات المسبقة الدفع، فحدد سعر الدقيقة بـ6 سنتات بدلاً من 25 سنتاً، وأصبح على سعر الصيرفة بقيمة 1500 ل.ل. للدقيقة على أساس تخفيض (75%)، أو إلى (2000 ل.ل.) على أساس التخفيض الثاني بنسبة (66,67%) للدقيقة الواحدة، التي أقرها مجلس الوزراء.
وبالنتيجة، فإن معدل زيادات رفع هذه التعرفات قد تضاعف إلى ما يزيد عن الخمسة أضعاف لخدمات الهاتف الخليوي وبما لا يقل عن 2,25 ضعفاً بالنسبة لخدمات الهاتف الثابت، في الوقت الذي تتراجع فيه مستويات المعيشة في لبنان إلى أدنى مستوى عالمي، وحيث لم يعد يتعدى الحد الأدنى للأجور قيمة 23 دولاراً شهرياً.
إن سياسة رفع الدعم عن سائر السلع والخدمات الحياتية الضرورية التي اعتمدتها الحكومة الحالية، جعلت ما يفوق نسبة (80%) من الشعب اللبناني تحت خط الفقر، عدا عن تقلص قيمة الرواتب والأجور يوماً بعد يوم، من دون معالجة الأوضاع الاقتصادية أو القيام بالإصلاحات المالية والنقدية اللازمة، ما أوصل البلاد إلى أعلى درجات المخاطر الاجتماعية والأمنية. وإن التباطوء في تشكيل الحكومة الجديدة قبيل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة من شهر تشرين الأول، ومهما تعددت الأسباب، فإن المغامرة بمستقبل المؤسسات الدستورية، وجعلها منبراً للتصعيد السياسي أو الأمني، يؤكد عدم تحلي القيمين على هذا البلد بروح المسؤولية الوطنية، ويفقدنا ثقة العالم بنا، وبالنهاية، فإن الشعب اللبناني هو من سيدفع ثمن فسادهم وانحرافهم عن تحقيق المصلحة الوطنية، غير آبهين بمصير الوطن والأجيال الصاعدة. ونخشى أن تغرق البلاد مجدداً في دوامة الفراغ المتمادية التي اعتدنا عليها على امتداد هذا العهد الحافل بالانتكاسات والأزمات التي لم نشهد لها مثيلاً منذ قيام دولة لبنان الكبير وحتى تاريخه.
إن سياسة إطفاء الخسائر بالنسبة لأرصدة الهاتف الخليوي والمقدرة بـ450 مليون دولار أميركي، وجعلها بقيمة 26 مليون دولار أميركي قياساً بمعادلة التعرفات الجديدة المقررة في وزارة الاتصالات سوف تنعكس بصورة سلبية على أوضاع المشتركين والانتقاص من حقوقهم المكتسبة، مما يجعل من هذا الإجراء عملاً تعسفياً يرهق كاهل المواطنين، قياساً بتدني مستوى الرواتب والأجور في لبنان. وسيشكل ذلك عبئاً إضافياً يضاف إلى سلة المتطلبات الحياتية الضرورية لمعيشتهم ويدفع بالبلاد إلى حافة الانفجار.