خلال الساعات الأخيرة، ووسط توقعات اقتصادية عالمية مربكة، ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأميركية والأوروبية واليابانية مسجلةً مستويات مرتفعة جديدة لفترة ما بعد الأزمة المالية، وسط تكهنات ببقاء أسعار الفائدة الأميركية مرتفعة لفترة أطول. ووصل عائد السندات القياسية الأميركية لأجل 10 سنوات، صباح امس الثلاثاء، إلى أعلى مستوى منذ نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2007، عند 4.366 في المائة، قبل أن يتراجع قليلاً مع زيادة حركة البيع.
وفي حين تترقب الأوساط الاقتصادية كافة ندوة جاكسون هول للبنوك المركزية في وقت لاحق من الأسبوع، حيث يركز الجميع على الأخص على كلمات من كل من كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، وجيروم بأول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، لاستشراف التوقعات بشأن أسعار الفائدة… فإن التوقعات المتضاربة حتى صباح الثلاثاء باحتمالية وقف التشديد النقدي، دفعت إلى التكالب على السندات طويلة الأجل مضمونة العوائد.
لكن مؤشرات قوة الاقتصاد الأميركي زادت من خفض توقعات التوقف عن رفع الفائدة في وقت قريب، مما خفّف من موجة الشراء الضخمة للسندات، لتبدأ مستويات العائد في الهبوط قليلاً.
وتراجعت عوائد السندات الحكومية في منطقة اليورو قليلا يوم الثلاثاء، بعدما ارتفعت بشدة يوم الاثنين مع زيادة الضغط الصعودي من نظيرتها الأميركية. وارتفعت عوائد السندات الألمانية لأجل 10 سنوات بنحو ثماني نقاط أساس لتلامس 2.729 في المائة، وهو أعلى مستوى لها منذ أوائل مارس (آذار) عندما وصلت إلى 2.77 في المائة. كما ارتفعت عوائد السندات الإيطالية لأجل 10 سنوات بنحو 7 نقاط أساس عند 4.39 في المائة.
ولم تَسلم الأسواق الآسيوية من الصعود، إذ سجل عائد السندات الحكومية اليابانية لأجل عشر سنوات يوم الثلاثاء أعلى مستوى في أكثر من تسع سنوات، متجاوزاً المستوى الذي دفع بنك اليابان للتدخل في السوق في وقت سابق من هذا الشهر. وارتفع العائد على سندات الحكومة اليابانية لأجل 10 سنوات بمقدار 1.5 نقطة أساس إلى 0.665 في المائة، وهو أعلى مستوى له منذ يناير (كانون الثاني) 2014.
وكان من الممكن أن تدفع زيادة العائد بنك اليابان إلى إجراء عمليات شراء طارئة، لكن البنك المركزي لم يعلن عن أي تحرك من هذا القبيل بحلول الساعة 05:30 بتوقيت غرينتش، حيث قال المشاركون في السوق إن وتيرة ارتفاع العائد ثابتة.
وقال ناويا هاسيغاوا، كبير استراتيجيي السندات في «أوكاسان للأوراق المالية»: «ارتفع العائد على خلفية الزيادات في عوائد سندات الخزانة الأميركية خلال الليل. لقد كانت خطوة منظمة ولم تكن مدفوعة بالمضاربات، ولهذا السبب لم يتدخل بنك اليابان».
وأثار غياب بنك اليابان عن السوق في الجلسة الحالية تكهنات حول الظروف التي سيجري فيها بنك اليابان عمليات طارئة لاحتواء العوائد، وهي خطوة قد تؤثر على الين وسوق الأسهم اليابانية.
وقال كيسوكي تسوروتا، استراتيجي الدخل الثابت لدى «ميتسوبيشي يو إف جيه مورغان ستانلي للأوراق المالية»: «لا تزال السوق تبحث عن مستوى التوازن لعائد السندات لأجل 10 سنوات… ما زلنا لا نعرف ما إذا كانت المرحلة التالية لتدخل بنك اليابان – هل ستكون عندما يصل العائد إلى 0.7 في المائة، أو عندما يرتفع بسرعة؟».
وفي 3 أغسطس (آب)، أجرى بنك اليابان عمليات شراء غير مقررة للسندات بعد أن وصل العائد لأجل 10 سنوات إلى 0.655 في المائة، وهي عملية الشراء الطارئة الثانية في ذلك الأسبوع.
وعوائد السندات هي مقدار العائد الذي يحصل عليه المستثمر من شراء سند، وتُحسب العوائد على أنها النسبة بين الفائدة السنوية إلى سعر الشراء. على سبيل المثال، إذا اشترى المستثمر سنداً بسعر 100 دولار ودفعت السندات 5 دولارات من الفائدة السنوية، فإن عوائد السندات ستكون 5 في المائة.
وتختلف عوائد السندات حسب نوع السندات ومدتها، حيث تميل السندات ذات المخاطر العالية إلى تقديم عوائد أكبر من السندات ذات المخاطر المنخفضة. كما تميل السندات ذات المدد الطويلة إلى تقديم عوائد أعلى من السندات ذات المدد القصيرة، وهو ما يُعرف اصطلاحاً بمسمى «منحنى العائد».
تعد عوائد السندات أحد العوامل التي يأخذها المستثمرون في الاعتبار عند اتخاذ قرار الاستثمار في السندات. كما أنها مؤشر على صحة الاقتصاد.
وهناك الكثير من الأسباب التي أدت إلى ارتفاع عوائد السندات لمستويات قياسية، وعلى رأسها توقعات كل من معدل الفائدة ومستوى التضخم والنمو الاقتصادي. إذ يؤدي رفع أسعار الفائدة إلى زيادة عوائد السندات، لأن المستثمرين يطلبون عائداً أعلى على السندات التي تصدر بمعدل فائدة أعلى.
في حين يؤدي التضخم إلى زيادة تكلفة المعيشة للأفراد والشركات، ويدفع المستثمرين إلى طلب عائدات أعلى على السندات للتعويض عن الخسائر التي يتعرضون لها بسبب التضخم. فيما يزداد الطلب على السندات مع نمو الاقتصاد بوتيرة أقوى… وإضافةً إلى ذلك، فإن تنامي التوترات الجيوسياسية والاقتصادية، مع زيادة المخاطر في الأسواق المالية والأصول الخطرة، يدفع لمزيد من الإقبال على السندات ويرفع من عوائدها.
وفي أسواق المال، يوم الثلاثاء، ارتفعت أسعار الذهب فوق مستوى 1900 دولار للأوقية (الأونصة) مدعومةً بانخفاض طفيف للدولار وعوائد السندات. وصعد الذهب في السوق الفورية 0.5 في المائة إلى 1902.50 دولار للأوقية بحلول الساعة 10:09 بتوقيت غرينتش. كما ارتفع سعر العقود الآجلة للذهب الأميركي 0.5 في المائة إلى 1932.30 دولار للأوقية.
وقال المحلل المستقل روس نورمان: «في الوقت الحالي، أعتقد أن أسعار الذهب تستمد الدعم بسبب التصحيح السعري للدولار واقتناص الصفقات عند هذه المستويات». وأضاف: «لا نتوقع أن نرى تحركات كبيرة في الذهب قبل ندوة جاكسون هول لأن الناس ستكون في حالة ترقب. لكنّ عوائد سندات الخزانة الأميركية، التي بلغت أعلى مستوياتها في 16 عاماً، لا تزال القضية الرئيسية التي لا يتحدث عنها أحد».
وانخفض الدولار 0.2 في المائة مقابل العملات المنافسة، مما يجعل الذهب أقل تكلفة لحائزي العملات الأخرى.
وبالنسبة إلى المعادن النفيسة الأخرى، ارتفعت الفضة في السوق الفورية 0.3 في المائة إلى 23.24 دولار للأوقية، وصعد البلاتين 1.2 في المائة إلى 920 دولاراً، وزاد البلاديوم 1.5 في المائة إلى 1264.14 دولار.