عوائد النفط الاستثنائية تختبر الانضباط المالي لحكومات الخليج

تعهدت دول الخليج المنتجة للنفط بالتحلي بالمزيد من الحصافة هذه المرة مع ارتفاع أسعار الخام بشدة، سعيا إلى الاستفادة من دروس التاريخ التي شهدت زيادة هائلة في الإيرادات، لكن سرعان ما تحولت إلى تقشف مالي وعجز شديد في ميزانياتها السنوية.

وتتجه السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين وعمان، إلى تحقيق فائض في الميزانية، بعضها للمرة الأولى منذ عقود، بدعم من ارتفاع أسعار النفط وإصلاحات مالية على مدى سنوات.

ولكن مع هذه الطفرة التي ساعدت في تحققها الحرب بين روسيا وأوكرانيا منذ أواخر فبراير الماضي، يرى محللون أنه يتوجب على هذه الدول التمسك بهذا النهج الحذر.

وتقول كارين إي. يانغ الباحثة لدى معهد الشرق الأوسط في واشنطن لرويترز إن “إغراء العودة إلى الإنفاق المساير للدورة الاقتصادية حقيقي، لاسيما أن التعاقدات الحكومية تواصل قيادة النشاط في الاقتصادات الكبيرة مثل السعودية”.

وثمة البعض من المؤشرات المشجعة، فقد خفضت السعودية والكويت والبحرين الإنفاق في الميزانيات الحالية، لكن الإمارات وقطر وسلطنة عمان تزيد الإنفاق.

وقد تم إعداد معظم هذه الميزانيات قبل الحرب في شرق أوروبا، الأمر الذي ساعد في صعود النفط من مستوى أقل من 80 دولارا للبرميل في نهاية عام 2021 إلى أعلى من مئة دولار حاليا.

ودفع ارتفاع أسعار النفط والضغوط التضخمية الأخرى البنوك المركزية في أنحاء العالم إلى رفع أسعار الفائدة، لاسيما مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي.

ومع ربط عملات معظم دول الخليج بالدولار، باستثناء الكويت التي تربط عملتها الدينار بسلة عملات رئيسية، تقتفي بنوكها المركزية أثر تحركات الاحتياطي الأميركي إلى حد بعيد.

ويفسر خبراء انسياق الدول الخليجية وراء رفع الفائدة الأميركية بارتباطها اللصيق بعملة الدولار في تسوية العقود الآجلة للنفط مما يستدعي تماشيها مع نفس قرار الفيدرالي سواء رفع أو خفض الفائدة تفاديا لوجود فروق في العملة.

ولا يرتبط التحاق البنوك الخليجية بتحرك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في العادة بمعدل التضخم في دول المنطقة.

لكن التضخم في الداخل حتى وإن لم يكن مرتفعا مثله في أي مكان آخر شجع بعض هذه الدول، ومنها السعودية والإمارات، على زيادة الإنفاق الحكومي على الرعاية الاجتماعية لمساعدة المواطنين.

ويرى رافي بهاتيا المدير وكبير المحللين في ستاندرد آند بورز غلوبال للتصنيفات الائتمانية أن التوقعات تشير إلى أن التضخم لن يخرج عن السيطرة، لكن هناك ضغوطا. ولا يعتقد أنه سيمثل نقطة تحول فيما يتعلق بالمالية العامة.

وارتفع التضخم السنوي في الإمارات الدولة الخليجية الوحيدة التي ليس لديها سقف لسعر وقود السيارات إلى 3.3 في المئة في الربع الأول من هذا العام، وهو أعلى معدل منذ أغسطس 2018. وقفزت أسعار البنزين 60 في المئة منذ فبراير الماضي.

وسعيا إلى خفض ضغوط الأسعار على المواطنين، وافقت الكويت التي واجهت أزمة سيولة في عام 2020 على منحة مالية لمرة واحدة لأرباب المعاشات بإجمالي حوالي 600 مليون دينار (1.95 مليار دولار). كما خفضت عُمان أسعار الكهرباء للأسر.

لكن دول الخليج تدرك بشكل متزايد أن تحول العالم على المدى البعيد عن استخدام الوقود الأحفوري يضع حدا لهذه المنحة النفطية، مما يمثل دافعا أكبر لها لزيادة الإنفاق من الإيرادات الاستثنائية لتنويع اقتصاداتها المعتمدة على النفط والغاز.

وأعدت السعودية والإمارات وعُمان، على سبيل المثال، خططا لتطوير إنتاج الهيدروجين الأخضر الذي يُستخرج من شطر جزيئات الماء باستخدام الطاقة المتجددة.

كما تلعب صناديق الثروة السيادية دورا في زيادة نشاط الشركات الخاصة في اقتصادات اعتمدت لفترة طويلة على الإنفاق الحكومي كمحرك أساسي لها.

ويقول سكوت ليفرمور كبير الاقتصاديين في أكسفورد إكونوميكس إن “الإنفاق على تنويع الاقتصادات بعيدا عن الاعتماد على النفط سيظل مرتفعا لكن المجال الذي قد يتم فيه خفض الطموح هو تنويع الإيرادات المالية وتقليص التوظيف في القطاع العام”.

وأكدت السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم والتي سجلت فائضا بالميزانية بنحو 15.3 مليار دولار في الربع الأول من هذا العام أنها تسعى إلى فصل الإنفاق الحكومي عن تقلبات أسعار النفط.

وسيواجه هذا التعهد اختبارا بحلول سبتمبر المقبل مع إعلان البيان التمهيدي لميزانية عام 2023. وأعدت الحكومة السعودية ميزانية قدرها 955 مليار ريال (254 مليار دولار) للعام الحالي، انخفاضا من 264 مليار دولار العام الماضي.

وتشير التوقعات إلى نقل جزء من فائض الميزانية المتوقع، وهو الأول الذي يحققه أكبر اقتصادات المنطقة العربية في تسع سنوات، إلى صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادية) الذي أعلن أنه سيستثمر 270 مليار دولار محليا بحلول عام 2025.

وتقول يانغ “سنرى المزيد من الإنفاق على مشاريع تنمية محلية كبيرة، لاسيما تلك التي تدخل ضمن اختصاص صندوق الاستثمارات العامة، وأتوقع زيادة المطالب بالشفافية في ميزانيات تلك المشاريع”.

وقالت الإمارات في يونيو الماضي إنها تستهدف زيادة الإنفاق بنحو 1.23 مليار درهم (335 مليون دولار) هذا العام، أو بزيادة أكثر من اثنين في المئة عما كان متوقعا لهذا العام.

كما زادت سلطنة عمان الإنفاق، حيث رفعت الإنفاق بالميزانية الحكومية 12 في المئة إلى 12.1 مليار ريال (31.4 مليار دولار) هذا العام مقارنة مع 2021، ورفعت ميزانية مشروعات التنمية بنسبة 22 في المئة إلى 1.1 مليار ريال.

وبالنسبة إلى عُمان والبحرين، اللتين تتمتعان بثروات نفطية أقل بكثير من جيرانهما، فإن طفرة إيرادات النفط قد تخفف بعض ضغوط الديون.

وتقول مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري إن هذا سيساعدهما على المدى القصير، لكنها أوضحت أن “متطلبات التمويل لديهما ستظل مرتفعة من أجل سداد الديون وهذا سيظل مشكلة خلال السنوات المقبلة”.

وأعادت عُمان شراء سندات بأكثر من 700 مليون دولار في يونيو الماضي، في تحرك قالت مؤسسة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني إنه “يدعم تحسين الأوزان”.

وفي الوقت ذاته قال صندوق النقد الدولي إن مستوى دين البحرين نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي تراجع إلى 129 في المئة خلال العام الماضي مقارنة مع 130 في المئة قبل عام. ومن المتوقع أن يبلغ 116 في المئة بنهاية هذا العام.

وعدلت ستاندرد آند بورز نظرتها لتصنيف الكويت، التي لم تطرق باب أسواق الدين العالمية لسنوات من سلبية، إلى مستقرة بدعم توقعات مواتية لأسعار وإنتاج النفط.

كما توقعت فائضا تراكميا في الميزانية بنسبة 18 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي الحالي، الذي بدأ في أبريل الماضي.

وخلافا لجيرانها في منطقة الخليج، يُعد الغاز المحرك الرئيسي لاقتصاد قطر التي قد تساعد خططها لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال أوروبا الساعية إلى التخلص من الاعتماد على الغاز الروسي الذي يُضخ عبر الأنابيب.

وتتمتع الكويت وقطر وعُمان والسعودية بأكبر قطاعات طاقة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، على الترتيب، وقد تواجه أكبر تدهور في المالية العامة إذا أدى تباطؤ الاقتصاد العالمي إلى ضعف الطلب على الوقود.

وحتى وإن أبدى الاقتصاد العالمي مرونة أكبر، فإن الحملة العالمية للتحول بعيدا عن الوقود الأحفوري تظل مصدر قلق في المدى البعيد.

وقال ألكسندر بيرجسي المحلل في مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني إن “الخطر الأكبر يتمثل في انهيار متواصل للطلب على النفط”.

 

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالطلب العالمي على الكهرباء يتباطأ نتيجة ارتفاع الأسعار
المقالة القادمةخدعة فيول الكهرباء: عودة إلى تركيا والجزائر والبواخر